22 مارس 2017
إهداء
إلى «زينب» ابنة عمتي،
وإلى كل أبناء وبنات قريتي كفر طلحة، قليوبية، مصر.
نوال السعداوي
موت الرجل الوحيد على الأرض
•••
قبل أن يظهر ضوء الشفق الأحمر من فوق رءوس الأشجار البعيدة، وقبل أن يرتفع في الظلام صياح ديك أو نباح كلب أو نهيق حمار، أو صوت الشيخ حمزاوي يؤذن لصلاة الفجر، قبل كل هذا يفتح الباب الخشبي الكبير، محدثا ذلك الصرير كصرير الساقية العتيقة، ويظهر شبح طويل، ممشوق، مرفوع الظهر، يمشي على ساقين مشدودتين في خطوات ثابتة قوية، ومن خلفه شبح يمشي على أربع سيقان مرتخية بطيئة كسولة.
يختفي الشبحان في الظلمة بين البيوت الطينية، ثم يظهران فوق جسر النيل. في ضوء الفجر، يبدو وجه زكية نحيلا شاحبا وصارما، شفتاها مطبقتان في إصرار من يرفض النطق، وعيناها واسعتان مرفوعتان في تحد أشبه بالغضب، أو غضب أشبه بالتحدي. من خلفها يظهر وجه الجاموسة طويلا ونحيلا وشاحبا أيضا، لكنه ليس صارما، وعيناها واسعتان مرفوعتان أيضا، ولكن نظرتهما منكسرة شبه مستسلمة للقضاء والقدر.
يسقط ضوء الفجر على وجه النيل، فتبدو أمواجه الهزيلة كتجاعيد وجه عجوز صامت وحزين، مياهه الراقدة في القاع تبدو ساكنة ولا تتحرك، أو هي تتحرك حركة واهنة ضعيفة غير محسوسة، كحركة السحاب أو كحركة الزمن.
صفحة غير معروفة