ومدت ذراعيها وأخذت الطفل بسرعة من ذراعي الشيخ حمزاوي، الذي كان لا يزال واقفا جامدا كأنما فقد الوعي. أغلقت الباب وحوطت الطفل بصدرها. شعرت بدبيب يسري في ثدييها كأرجل النمل الدقيقة، تسري في عروقها بطيئة كحركة الدم الدافئ. شدت ثديها وأخرجته من فتحة ثوبها، ثم ضغطت بأصبعها على الحلمة حينما رأت القطرات البيضاء تنزلق من الثقب الأسود. خبأت بطرحتها السوداء الصغير وهي تدخل الحلمة في فمه اللاهث الناعم. •••
ارتفع صوت الشيخ حمزاوي مؤذنا لصلاة الفجر، محلقا فوق أسطح البيوت الطينية المنخفضة، مخترقا الجدران السوداء، وهابطا في الأزقة والحواري المسدودة بأكوام السباخ. وصل صوته إلى أذني شيخ الخفر الذي كان قد أصبح في بيته، لكنه لم يخلع ملابسه كما يفعل كل مرة، ولم يطلب من زوجته أن تحضر له الطعام، بل لم يخلع حذاءه الجلدي الذي كان يخلعه بحركة سريعة بمجرد أن يدخل، ثم يرفعه بقدمه بعيدا كأنه سلسلة حديدية التفت حول قدميه.
ظل كما دخل بملابسه وحذائه وعينيه المفتوحتين، وأمامهما ذلك الوجه الوردي الصغير والعينين المغمضتين الدامعتين. كل ما فعله منذ أن دخل ترك جسده المرهق يسقط جالسا فوق الحصيرة، وأصابعه ارتفعت وحدها تشد شعرات شاربه الطويل الكثيف كعادته حين يعثر على قتيل يجهل قاتله أو يكتشف جريمة تمت بغير علمه.
لكنه ما إن سمع صوت الشيخ حمزاوي حتى تحركت عيناه ناحية زوجته وانفرجت شفتاه كأنما سيقول شيئا، لكن شفتي زوجته كانتا أسرع من شفتيه وصوتها أسبق من صوته حين قالت: نفيسة بنت كفراوي هربت.
قالتها بسرعة في نفس واحد وبحركة سريعة من يدها تشبه حركة يد زوجها حين يخلع حذاءه متخففا من عبئه وضغطه على قدميه. كانت قد نامت الليل كله على هذا الخبر بعد أن همست لها به إحدى الجارات، وظلت تتقلب في الظلمة على ظهرها وبطنها، والخبر يضغط على صدرها، له ثقل واضح، وفيه لذة غامضة، كالحبلى تنتظر طلوع الفجر بقلق أشبه بالشوق، تريد أن تلقي بحملها من فوق صدرها على كاهل أحد غيرها، أو تنتشي لحظة بمتعة السبق وتكون أول من يطلع زوجها على النبأ.
رن اسم نفيسة في أذن الشيخ زهران، وكانت عيناه لا تزالان شاخصتين إلى الوجه الوردي الصغير والعينين المغمضتين الدامعتين، فإذا بالعينين المغمضتين تتفتحان فجأة وتظهر فيهما عينا نفيسة الواسعتان السوداوان المرفوعتان إلى أعلى، وكفت أصابعه عن شد شعرات شاربه الطويل الكث، وانفرجت شفتاه كأنما في شهقة من يطفو فوق الماء بعد لحظة غرق، وهتف: نفيسة؟!
وقالت زوجته مؤكدة: نعم، نفيسة.
كانت فتحية زوجة الشيخ حمزاوي لا تزال واضعة أذنها على الجدار الطيني، ورأس الطفل تحت الطرحة السوداء فوق صدرها وفي فمه الحلمة حينما التقطت أذنها اسم نفيسة، فانفرجت شفتاها هي الأخرى عن شهقة من يطفو فوق الماء بعد غرق وهتفت بدورها: نفيسة؟!
تردد الاسم «نفيسة» من وراء الجدران الطينية وخرج إلى الأزقة والحواري المسدودة بأكوام السباخ، ثم ارتفع في الجو فوق الأسطح المتعرجة بأكوام القش والجلة، وحلق فوق الجامع ومئذنته العالية ومن فوقها الهلال، وحينما وصل إلى أذني العمدة من وراء جدرانه العالية السميكة المصنوعة بالطوب الأحمر، كان قد أصبح كالأذان الذي يؤذنه الشيخ حمزاوي خمس مرات في اليوم. كان يجلس إلى جوار العمدة في ذلك اليوم ابنه الأصغر الذي دخل الجامعة حديثا، وأصبح لا يأتي هو وأمه إلى كفر الطين إلا في الإجازات.
لمعت عينا طارق وهو يسمع الحكاية لمعة عيني شاب في التاسعة عشرة يشعر بلذة الجنس، ينفس بالسمع أو بالكلام عما يعجز عن إشباعه بالفعل. وقال بصوت قوي فيه نشوة واضحة: الأسبوع الماضي عثرنا في الجامعة على طفل في دورة المياه، والأسبوع الذي قبله ضبطنا طالبا يعانق طالبة في قاعة خالية مغلقة. وهنا، في كفر الطين، تلد البنت طفلها وتتركه أمام بيت شيخ الجامع أو بجوار الجامع ثم تهرب. البنات فسدوا يا بابا في كل مكان.
صفحة غير معروفة