لله ، والثناء عليه ؛ شكرا له على ذلك التأليف الذي هدى إليه.
وثانيها ، إظهار الخضوع له ، وبيان أنه لا عون إلا منه سبحانه.
وثالثها ، الالتجاء إليه بالدعاء لاستمداد ذلك العون.
ويجب أن تشتمل ، مع هذا ، على ما يسمى براعة الاستهلال ، وهي أن يؤتى قبل الشروع في المقصود بما يشعر به ، ليدرك القارئ الغرض من وضع الكتاب ، ويكون على بصيرة به قبل الشروع فيه.
وقد اشتملت هذه السورة على هذه الأركان الثلاثة. فجاء في أولها ( بسم الله الرحمن الرحيم (1) الحمد لله رب العالمين (2) الرحمن الرحيم (3) مالك يوم الدين ) (4)، فافتتحت باسم الله والثناء عليه بهذه الصفات التي تفرد بها دون غيره. وقد كان العرب ، في جاهليتهم يفتتحون كلامهم بقولهم : «باسمك اللهم» ، فاستبدل به القرآن ( بسم الله الرحمن الرحيم ) (1)، إشارة إلى أن عهد الإسلام عهد رحمة ، وهو العهد الذي يجب أن يشمل العالم كله ، ويكون خاتمة العهود كلها. وهذا هو ركنها الأول.
ثم جاء فيها بعد ذلك ركنها الثاني بقوله تعالى :
( إياك نعبد وإياك نستعين ) (5) وفي ذلك إقرار بأنه لا معبود غيره ، ولا عون إلا منه.
ثم جاء ركنها الثالث بقوله تعالى :
( اهدنا الصراط المستقيم (6) صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) (7). وفي ذلك براعة الاستهلال المطلوبة ، لأنه يشير إلى أن المقصود بالقرآن وضع دين جديد للخلق ، يشتمل على أحكام لا عوج فيها ولا انحراف ، ويصلح ما أفسده الناس في شرائع الله من قبل.
ولا شك أن هذه الفاتحة ، بهذا الشكل ، لم يسبق إليها كتاب قبل القرآن. وقد صارت بعده قدوة تتبع ، وسنة تحتذى ، وكفى ذلك دليلا على فضلها وحسن ترتيبها.
صفحة ١٤