ثم يذكر الباقلاني نماذج عديدة تدل على روعة النظم القرآني نذكر منها ما يلي: " تأمل السورة التي يذكر فيها النمل وانظر فيها كلمة كلمة وفصلا فصلا؛ بدأ بذكر السورة إلى أن بين أن القرآن من عنده فقال تعالى (وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم) ثم وصل بذلك قصة موسى ﵇ وأنه رأى نارا (فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون) وقال في سورة طه في هذه القصة (لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى) وفي موضع (لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون) قد تصرف في وجوه وأتى بذكر القصة على ضروب ليعلمهم عجزهم عن جميع طرق ذلك ولهذا قال (فليأتوا بحديث مثله) ليكون أبلغ في تعجيزهم وأظهر للحجة عليهم، وكل كلمة من هذه الكلمات وإن أنبأت عن قصة فهي بليغة بنفسها تامة في معناها ثم قال ﴿فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين﴾ فانظر إلى ما أجرى له الكلام من علو أمر هذا النداء وعظم شأن هذا الثناء وكيف انتظم مع الكلام الأول وكيف اتصل بتلك المقدمة وكيف وصل بها ما بعدها من الإخبار عن الربوبية وما دل به عليها من قلب العصا حية وجعلها دليلا يدله عليه ومعجزة تهديه إليه، وانظر إلى الكلمات المفردة القائمة بأنفسها في الحسن وفيما تتضمنه من المعاني الشريفة ثم ما شفع به هذه الآية وقرن به هذه الدلالة من اليد البيضاء عن نور البرهان من غير سوء، ثم انظر فيه آية آية وكلمة كلمة هل تجدها كما وصفنا من عجيب النظم وبديع الرصف فكل كلمة لو أفردت كانت في الجمال غاية وفي الدلالة آية فكيف إذا قارنتها أخواتها وضامتها ذواتها مما تجري في الحسن مجراها وتأخذ في معناها، ثم من قصة إلى قصة ومن باب إلى باب من غير خلل يقع في نظم الفصل إلى الفصل وحتى يصور لك الفصل وصلا ببديع التأليف وبليغ التنزيل، وإن أردت أن تتبين ما
1 / 14