وسؤالنا الآن هو: هل نجد في أسماء الفئات ما وجدناه في العبارات الوصفية من نتائج؟ إذا كان أمامنا اسم لفئة، مثل «سكان مدينة القاهرة» و«النمل» و«أبناء الأغنياء» ... إلخ، أفيكون اسم الفئة هذا هو أيضا رمز ناقص، بمعنى أن تعريفه مستحيل وهو قائم وحده، وأنه لا يتحتم أن يكون له مسميات في الواقع، وأننا نستطيع حين نحلل الجملة التي يرد فيها اسم لفئة أن ننتهي إلى تحليل نستغني فيه عن الجزء الذي هو موضع التحليل مع احتفاظنا بمعنى الجملة التي نحللها؟
يجيب «رسل» على هذه الأسئلة بالإيجاب، غير أنه يلاقي في بحثه للموضوع صعابا ومشكلات، يتغلب عليها تدريجيا في كتبه المختلفة التي عالج فيها الموضوع.
فلقد تناول الموضوع بالبحث أول ما تناوله، في كتاب «أصول الرياضة»،
30
وهناك ألفى نفسه مضطرا إلى الاعتراف بأن لاسم الفئة مدلولين: مدلولا يفسره بمسمياته الكثيرة، ومدلولا آخر يفسره بالصفة الواحدة المشتركة بين تلك المسميات الكثيرة.
فمثلا كلمة «أعداد» ما مدلولها الخارجي؟ لها مدلولان، فيمكن اعتبارها رمزا دالا على مجموعة كبيرة من الأعضاء، وهي الأعداد المختلفة: 1، 2، 3، 4 ... إلخ، كما يمكن اعتبارها رمزا دالا على شيء واحد فقط، وهذا الشيء الواحد هو الصفة المشتركة التي تشترك فيها تلك الأعداد كلها اشتراكا أجاز لنا اعتبارها أعضاء لمجموعة واحدة، أو بعبارة المنطق التقليدي، نقول إن اسم الفئة له مدلولان: مدلول يتمثل في ما صدقاته، ومدلول يتمثل في مفهومه، أما متى نفهم من اسم الفئة مدلوله الأول، ومتى نفهم منه مدلوله الثاني، فيتوقف على السياق الذي يرد فيه، فإذا قلت مثلا: «القردة المقيمة في حديقة الحيوان بالقاهرة مستوردة من أواسط أفريقيا.» كان مدلول اسم الفئة هنا (القردة المقيمة ... إلخ) دالا على أفراد المجموعة، أما إذا قلت «القردة المقيمة في حديقة الحيوان بالقاهرة ليست من آكلة اللحوم.» كان اسم الفئة في هذه الحالة دالا على الصفة المشتركة بين أفراد الفئة، لا على الأفراد نفسها باعتبارها كثرة.
لكن «رسل» لم يلبث أن واجهته المشكلات إزاء هذا الرأي في اسم الفئة، فمثلا ماذا نقول في الفئة الفارغة؟ وماذا نقول في الفئة ذات العضو الواحد؟
31
فعبارة «الجبال الذهبية» اسم لفئة لا وجود لأفرادها، إذ ليس هنالك في العالم الواقع جبال من ذهب، وإذن فهو اسم لفئة فارغة، وعندئذ نكون إزاء اسم لفئة إن دل على صفة معينة، فهو لا يدل على أفراد، أعني أنه يفقد إحدى الدلالتين اللتين سبقت الإشارة إليهما في تحليل أسماء الفئات، وكذلك الحال في الاسم الدال على فئة ليس فيها إلا عضو واحد، مثل «الكواكب التابعة للأرض»، فليس هنالك في هذه الفئة إلا القمر، وعندئذ أيضا نجد أنفسنا إزاء اسم لفئة لا تنطبق عليه الأوصاف التي أسلفناها لأسماء الفئات، إذ قلنا إن اسم الفئة يدل من ناحية على أفراد كثيرة هي أعضاء الفئة، ومن ناحية أخرى يدل على صفة واحدة هي المشتركة بين تلك الأفراد الكثيرة، فها نحن أولاء نرى أنفسنا أمام اسم لفئة لا يدل على أفراد كثيرة، بل يدل على فرد واحد، وإلا فهل نحل هذا الإشكال بقولنا إن اسم الفئة دال على معنى واحد فقط، أي إنه رمز يرمز إلى كائن واحد؟ لكننا إن قلنا ذلك وقعنا في تناقض؛ لأن هذا الكائن الواحد الذي يرمز له اسم الفئة، يكون كثيرا وواحدا في آن معا، فهو كثير عندما ننظر إلى اسم الفئة من ناحية تسميته لأفراد الفئة، وهو واحد حين ننظر إليه من ناحية تسميته للصفة المشتركة بين تلك الأفراد.
ونترك كتاب «أصول الرياضة» الذي لم يستطع فيه رسل أن يقطع برأي واضح في موضوع الفئات، وننتقل إلى كتابه الرئيسي التالي، وهو «برنكبيا ماثماتيكا»
صفحة غير معروفة