إن قولي: «قابلت رجلا» لا يتعين به أني قابلت فردا بذاته من الناس كزيد أو عمرو، بل مثل هذا القول لا يتعين به أن يكون للفظ «رجل» مسميات حقيقية واقعة في عالم الأشياء، بدليل أني قد أقول: «قابلت غولا» أو «قابلت عنقاء»، ويكون لقولي هذا معناه عند السامع - إذا فرضنا أن «الغول» و«العنقاء» محددة الأوصاف معلومة الصورة - على الرغم من أنه ليس هناك في عالم الأشياء الواقعة غول حقيقي أو عنقاء حقيقية؛ لأنها كائنات من تصوير الخيال.
فأنا حين أقول: «قابلت رجلا»، فإنما أعني بكلمة «رجل» مجموعة من صفات تنطبق على هذا وهذا وذاك من أفراد الناس، فهي أوصاف عامة، أتصورها بالذهن، حتى ولو لم يكن هناك الفرد الذي تنطبق عليه، إذ الأمر هنا لا يزيد ولا يقل عن الأمر في العبارات التي تتحدث عن كائنات خيالية كالغول والعنقاء.
وعلى ذلك فالمراد بالعبارة الوصفية العامة هو المدرك العقلي لا الأفراد الحقيقيون الواقعون في عالم الأشياء.
إننا نحب للقارئ أن يعي هذا المعنى؛ لأنه سيكون بعيد الأثر في هدمنا للعبارات الميتافيزيقية، ونكرر نفس المعنى بعبارة أخرى لزيادة الإيضاح فنقول: إن الألفاظ التي اصطلحنا على تسميتها ب«الألفاظ الكلية»، مثل رجل وشجرة ونهر، ليست في الواقع إلا عبارات وصفية، ليست بذاتها دليلا على وجود أفراد لها، وهذا يصدق على كل لفظة كلية في اللغة: لفظة «كتاب» تدل على مجموعة صفات أتصورها وقد لا يكون لها مسمى في الواقع، وكلمة «نهر» تدل على مجموعة صفات أتصورها وقد لا يكون لها مسمى في الواقع ... وهكذا.
ومن هنا يتضح وجه الشبه، كما يتضح وجه الاختلاف، بين عبارة تتحدث عن شيء حقيقي، وأخرى تتحدث عن شيء خيالي وهمي، فكلتا العبارتين تكون مفهومة للسامع على حد سواء، فلا فرق من حيث الفهم بين أن أقول: «قابلت رجلا»، أو أن أقول: «قابلت غولا»، إذا كان للغول صفات معلومة محدودة، لكن تعود العبارتان فتختلفان من حيث إن للأولى أفرادا في عالم الواقع، وأنها قد تصدق على أي فرد منهم، وأما الثانية فعلى الرغم من أني قد أفهم معناها، فليس في عالم الواقع أفراد بحيث تصدق على هذا أو ذاك من هؤلاء الأفراد.
إننا بهذا التحليل نتخلص من إشكال ذي بال عند بعض الفلاسفة، خاص بالكائنات التي ليست بذات وجود فعلي، مثل «غول» و«عنقاء» و«المربع الدائري»، فيقول هؤلاء الفلاسفة: كيف يمكن أن أتحدث عن هذه الأشياء إذا لم يكن لها وجود إطلاقا بأي معنى من معانيه؟ لهذا تراهم يقترحون جعل الوجود درجات، منها ما هو وجود فعلي
10
يتمثل في أفراد حقيقية، ومنها ما هو وجود ضمني
11
يتيح لنا أن نتحدث عن أمثال هذه الكائنات التي لا وجود لها في عالم الأشياء الواقعة.
صفحة غير معروفة