بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
قال مالك بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن المرحل المالقي أبو الحكم، نزيل سبتة. بالمغرب، ناظمًا فصيح ثعلب الذي قال في أوله: قال أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب - رحمه الله تعالى - هذا الكتاب اختار فصيح الكلام مما يجري في كلام الناس وكتبهم، فيه ما فيه لغة واحدة، والناس على خلافها، فأخبرنا بصواب ذلك، ومنه ما فيه لغتان أو ثلاث، أو أكثر فاخترنا أفصحه، ومنه ما فيه لغتان.
حمدُ الإلهِ واجبٌ لذاته ... وشكرُه على عُلا هِباته
نحمدُه سبحانه ونشكرُهْ ... ومن ذنوبٍ سلَفَتْ نستغفرُهْ
ثم نوالي أفضلِ الصلاةِ ... على الرسولِ الطاهرِ الصفاتِ
محمدٍ ذي الكلم الفصيحِ ... والفضلِ والتقديسِ والتسبيحِ
صلّى عليه ربُنا وسلّما ... كما هَدَى بنوره وَسلّما
وبعد هذا ما جرى في خاطري ... من غير رأي نادبٍ أو آمرِ
أن أنظم الفصيحَ في سلوكِ ... من رجزِ مُهذب مسبوكِ
1 / 1
من غير أن أعدو وذاك المعنى ... واللفظ إلا لاضطرارِ عَنّا
فالمرءُ قد تنتابه الضرورهْ ... فتصبح النفسُ بها مقهورهْ
رجوتُ فيه من إلهي الأجرا ... والذكرَ في عباده والشكرا
والآن حين أبتدىء في القول ... والحمدُ لله العظيم الطولِ
1 / 2
باب فعَلت بفتح العين
قالَ نما المالُ بمعنى كثُرا ... ينْمي نُميًا إن أردتَ المصدرا
وقد ذوى العودُ بمعنى ذَبلاَ ... أيْ: يَذوَى إن تُرد مستقبلا
وقد غَوىَ الإنسان تَغْوي يا فتى ... أيْ: ضلَّ والشاهدُ فيه قد أتى
من يلق خيرًا حاز حمدًا دائمًا ... ومن غوى لا يعدمنَّ لائما
1 / 3
يقوله ربيعةُ المرقشْ ... وشعره مُنمّقُ مرقَّش
وفسد المرءُ كذاك يفسُد ... كقولهم: رفَدَ فهو يرفُد
وقد عسيتُ أيْ: رجوتْ فاعرف ... ولا تقل: يفعل لا تصرّف
أيْ: لا تقل يَعْسى ولا ذا عاس ... إن المساعَ مانعُ القياس
ودمعتْ عيني وأمّا تدمع ... فافتحه لكن ضمُه لا يُمنع
وقد رعفتُ: سالَ من أنفي دمُ ... وأصلُه في اللغةِ التقدّم
1 / 4
أرعُفُ في استقباله وأرعَف ... بالضم والفتح كذاك يُعرف
وقد عثرتُ وهو العثار ... وقد نفرتُ وهو النفار
والنفر والنفور وهو ينفرُ ... بالكسر والضم كذاك يعثر
وشتم الإنسان وهو يشتِم ... بالكسر أعلى والقليل يشتُم
ونعسَ الانسان فهو ينعُس ... بالضم فيه ويقال ينعَس
قالَ، ولا يُقال فيه نعسان ... كما يُقال في النظير وسنان
ولغب الإنسان فهو يلغُب ... بالضم والفتح بمعنى: يتعبُ
وقد ذهلتُ عنه أيْ: شُغلت ... وقيلَ: قد نسيتُ أو غفلتُ
أذهَلَ في استقباله بالفتح ... وهو الذهولُ فادره بشرح
1 / 5
وقد غبطتُ المرَء في أحواله ... أغبِطه بالكسر في استقباله
أعْني تمنيتُ لنفسي مثلما ... له ولا يُسلبُ تلك النعما
وخمدت نارُك فهي تخمُد ... وغيرُها كالحرب أو ما يوقد
وعَجّزَ الإنسان فهوَ يَعْجَز ... والمصدرُ العُجز كذاكَ العجز
وقد حَرصْتُ أيْ: طلبت اجتهد ... أحرص بالكسر وبالضم وجد
وقد نقمتُ يا فتى فِعْلَي أيْ ... أنكرته تنقمه أنتَ عليْ
وغَدرَ الإنسان فهو الغدر ... يَغْدِر لا يقال إلا الكسرُ
وقد عمدتُ أيْ قصدتُ فأنا ... أعمَدَ أيْ أقصد ذاكَ السننا
وهَلَكَ الإنسان فَهْوَ يَهْلِك ... كقولهم مَلك فهو يملك
وقد عَطَسْتُ والعُطاس بيِّن ... أعطِسُ أو أعطُس كلُّ حسن
ونطح الكبشُ وكبشٌ ينطح ... تكسُره طورًا وطورًا تفتح
1 / 6
وقد نحتُّ العود أيْ قشرته ... أنحَتُه والفتح ما أنكرته
وجفَّ هذا الثوبُ من بعد البللْ ... يَجُفُ، والرّطب كذاك يا رجل
وقد نكَلت عنه أيْ رجعت ... أنكُل بالضمِّ كذا سمعت
وقد كَلَلْتُ وحسامي كَلاَّ ... وبصري كلُّ فماذا حلاَّ
فلي الكلالُ والكلولُ لهُما ... والكَلُّ والكلّة أيضًا فيهما
وقد سَبَحْتُ في المياه أسْبَحُ ... أيْ عُمت والمعربُ منه يُفْتحُ
وشَحَب اللون إذا تغيّرا ... من جوع أو من مرض قد اعترى
وسَهَمَ الوجهُ كذاك يَسْهَم ... معَ عبُوس ويقال يَسْهم
وَوَلغ الكلبُ وكلبٌ والغُ ... في مائع أو في إناء فارغ
1 / 7
أدخل في باطنه لسانه ... كذا سَمعْت فاستفد بيانه
وقيل في المائع أيضًا وحدَه ... وما أتى من ذاك لا ترده
ويلغ الكلبُ هو الفصيح ... فافهم هُديتَ فهو الصحيحُ
ويولغُ الكلبُ وكلُّ فِعْلِ ... نقلته، فراجع للأصلِ
وينشد البيت الذي يضاف ... إلى أبي قيس، ولهم خلافُ
يصفُ شبلين وأمّا مرضعًا ... تغريهما بالدم واللحم معا
ما مرَّ من يوم يقول إلاَّ ... عندهما لحْمُ رجال قتلى
أو يلغان دم قوم آخرين ... فاللحم في غيلهما في كل حين
1 / 8
وأجنَ الماء وماءٌ آجن ... وأسنَ الماء وماء آسنُ
معناهما تغيّر في الطعم ... واللون والريح فقل بعلم
وقُلْ من الفعلين في استقبالِ ... يَفْعل أو يفعل لا تبالي
وقد غَلَتْ قِدرُك فهي تَغْلي ... وقد غثت نفسك فهي تَغْثَي
وغثيها بأن يجيش قيُّها ... أو تخبث النفس فذاك غيها
وكسب المال الفتى يكسبُه ... والكسْبُ بالفتح كذا أغْلُبُه
وربض الكلب ربوضًا أي رقدْ ... يَرْبضُ بالكسر كذا قيل فقدْ
وربط الإنسان شيئًا يربط ... بكسره وقد يقال يرْبُط
ونحلَ الجسمُ وجسمٌ ناحلُ ... وقحَلَ الجلدُ وجلدُ قاحلُ
والقاحلُ اليابسُ والمضارعُ ... بالفتح في فعليهما يا سامع
1 / 9
باب فَعِلتُ بكسر العين
قد قضمَتْ شعيرَها الحميرُ ... إن أكلتْ وأكلُها يسيرُ
وأصلْ ذاكَ الأكل بالمقدّم ... بالشفتين وبأسنان الفَمِ
والخضم أكل الشيء بالأضراس ... والفم أجمعَ كأكل الناس
وقد بلعتُ وسرطتُ مثلُه ... لكنّه فيما يليق أكلهُ
وقد زردتُ مثله في سرعهْ ... وقد لقمتُ لست تعني بلعهْ
وقد جرِعتُ جرعةً من ماءٍ ... شربتها كذاك في الصفاء
وقد عضضتُ أيْ شددتُ بفم ... أو بيدي أو بسواها فاعلم
وقد مسَستُ وهو لمسُ باليد ... وقد شممتُ ريحه من بعد
1 / 10
وقد غَصِصتُ فأنا أغَصُّ ... وقد مَصصتُ فأنا أمصّ
وغَصصُ الحلق كمثلِ الشرق ... لكنِّه في كلِّ شيء فثق
والمصُّ جذبُ الشفتين المائعا ... وربما كنتَ لصوتِ سامعا
وقد سففتُ بفمي دواَء ... ثم سويقًا إن تشا أو ماَء
وقد زكنت أيْ ظننتُ ظنا ... وقيل خمّنتُ وقيل المعنى
علمت ثم أنشدوا يا صاحبي ... بيتًا رووه لا يراع صاحبي
يقولُ في قوم تسلّى بعدهمْ ... ولن يراجع الفؤاد ودّهمْ
زكنتُ من أمرهم ما زكنوا ... فأمرهم لي واضح وبيّنُ
1 / 11
ونَهِكَ الجسمَ السقامُ أهزله ... أضعفه سقامه وأنحله
وانْهكْه بالعقاب أيْ بالغ في ... عقابه حتى يرى ذا ضُعف
وقد برئتُ وبرأتُ أبرأُ ... بُرءًا من السقم فعمري يُنسأ
وقد بريتُ قلمي وقدحي ... بريًا وليس الباب باب الفتح
وقد برئتُ منه أو إليه ... براءةً ظاهرة لديهِ
وقد ضَنِنْتُ أيْ بخلتُ بخلا ... والأمر إن عمَّ فقل قد شملا
ودهمتهم خيلُنا أيْ كثُرتْ ... عليهم، وفجئت وانتشرتْ
وشلّت اليدُ ومعنى الشلل ... تقابض الكفِّ ببعض العللِ
1 / 12
ونفدَ الشيء بمعنى فنيا ... وقد لججتَ يا فتى تأبيا
وخطفَ الشيء بمعنى أسرعا ... في أخذه أو نقله مستمعا
وقد وددتُ المرَء أيْ أحببتهُ ... وقد وددت أنني أصبتهُ
ورضع المولود حتى روّيا ... وفركته زوجه فابتليا
والفرك بغض الزوج وهي فاركُ ... كما تقول طالق وعاركُ
وقد شركتُ رجلًا مِسِّيكا ... أشركه كنت له شريكا
تقول في مصدر هذا الشرك ... كمثل ما قد قلت قبل الفرك
وقد صدقت وبررتَ يا فتى ... كأنّ هذا مَثَل كذا أتى
1 / 13
وقد بررتُ والدي أبَرُّهُ ... فأنا برٌ لا يغب برُّه
وقد أتى اسم فاعل من برّا ... بألف كما أتى من سَرّا
وجشمت نفسي هذا الأمرا ... تكلّفته مع كره قسرا
وسفد الطيرُ وغيرُ الطير ... وفجئ الأمر عسى بخير
1 / 14
باب فَعَلْتُ بغير ألف
تقول في الرياح من صفاتها ... إذا جرت يا صاح من جهاتها
قد شملتْ من الشمال فاعلمِ ... وجنبت من الجنوب فافهم
وقسْ على بقية الرياح ... إذا أتت من سائر النواحي
مثل القبول وهي الشرقيهْ ... أو الدبور وهي الغربيّهْ
وقل صبت من الصَّبا كذاك ... وهي القبول شرحها أتاك
وكلّها تقول فيه يفعل ... بالضم لكن في الصبا يُحتملُ
إلا النُّعامى فتقول أنعمتْ ... وهي التي من الجنوبِ عمّمتْ
وقد خسأتُ الكلبَ أيْ قلت اخسأ ... ليُبعد الكلبُ وللقط اغسأ
1 / 15
وفلحَ الإنسان في خصامه ... عليك فُلجًا نال من مرامه
وقد مَذَى يَمْذي وسال المذْيُ ... لفكرة أو لذةٍ والوذي
لكنْ لغير لذّة يسيلُ ... ويعتري الإنسان إذ يبولُ
وقد رَعَبْتُ القِرن يوم الفزع ... كأنما ملأته من جزع
وَرَعَدَتْ سماؤنا وبرِقت ... كأنها قد بسمتْ ونطقتْ
كذلك الإنسان في الوعيد ... وفي المخيف منه والتهديد
وقد يقال في الوعيد أرعدا ... وأبرق الإنسان إن تهددا
قال الكميت بعد كسر السجن ... وهرب صار به في أمن
1 / 16
ابرق وارعد يا يزيد إنني ... ليس الوعيد ضائري فامعنِ
هذا يزيد وأبوه يشهر ... بخالدٍ القسري ليس ينكرُ
وقد هرقتُ أهريق مائي ... بألف ضمّت، وفتح هاءِ
وإن أمرت قلت من ذاك هَرِقْ ... كما تقول من أرقته أرقْ
والأصل هذا يا فتى فلتعرف ... والهاء فيه بدلٌ من ألف
1 / 17
وقل صرفتُ القومَ والصبيانا ... سرحتهم فاقتبس البيانا
وصرف الله الأذى عنك دفعْ ... وقد قلبت كلّ وفد فرجعْ
وقلّب الثوب بمعنى حوّله ... كذلك الحديث تعني بدّلهْ
وقد وقفت فرسي فوقفا ... أقفه وقد وقفتُ موقفا
وقد وقفتُ لليتامى وقفا ... أي حُبُسًا فافهمه حرفًا حرفا
وقد مهرت الزوج أيْ سميتُ ... لها صداقًا وكذا أعطيتُ
وقد علفتُ فرسي وبغلي ... وقد زررت قُمُصي لشغلي
وازرر قميصًا قد حللتَ زرّه ... وزرّه وزرّه وزرّه
كقولهم مدّ ومدَّ لي يدا ... ومدّ أيضًا والجميع وردا
وقد نشدتُ الله هذا الزاهي ... أنشده سألته باللهِ
وحُشْ علي الصيد أيْ ضمّ إلي ... واجمع لكي يحصل الوحش لدي
ونبذَ النبيذَ يعني صَنَعْه ... وقيل يعني أنه قد قطعهْ
1 / 18
ورهن الرهنَ لديَّ يرهنُ ... بالفتح فاعلم فأنا مرتهنُ
وقد خصيت الفحلَ والخصاءُ ... أن تنزع الخصيان والوجاءُ
أن يتركا هناك بعد رضِّ ... ينوب عن نزعهما وعضِّ
وقد نعشتُ صاحبي رفيته ... أقلته أفدته نفعتهُ
وقد حرمتُ الرجل العطاَء ... أحرمه إذ كان قد أساَء
وقد حللتُ أنا من إحرامي ... أكملتُه في البلد الحرامِ
وحزبَ الأمرُ وأمر شغلا ... وقد شفى الرحمان هذا الرجلا
وغاظني الأمر وأنت غظتني ... تقول في معناه قد أحفظتني
وقد نفيتُ رجلًا من بَلَدهْ ... طردته عن أهله وولده
ومثله أن تنفى الرِّديَّا ... وتترك الطيب والنقيا
من الرجال ومن الدراهمِ ... والتمر والطعام والبهائمِ
وقد زوى عني وجهًا قبضه ... يزويه زيّا ويجوز قبضه
1 / 19
وقد بردت بالبرود عيني ... أبردها بالضم دون مين
وبرد الماء غليل جوفي ... يبرده فقله دون خوف
وينشد البيت الذي قد رويا ... لمالك بن الرّيب فيما حكيا
وقيل أيضًا إنه لجعفر ... المازني وهو قول الأكثر
يقول في الشعر إذا أتيتا ... الحارثيات فهبني ميتا
فلتنعني لهنَّ يا خليلي ... فليس للقاء من سبيل
1 / 20