قال الشيخ الإمام العالم العلامة عبدالباري العشماوي الرفاعي رحمه الله تعالى:
سألني بعض الأصدقاء أن أعمل مقدمة في الفقه على مذهب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، فأجبته إلى ذلك راجيا للثواب.
باب نواقض الوضوء
اعلم وفقك الله تعالى أن نواقض الوضوء على قسمين:
أحداث، وأسباب أحداث. فأما الأحداث فخمسة: ثلاثة من القبل وهي: المذي، والودي، والبول. واثنان من الدبر وهما: الغائط، والريح.
وأما أسباب الأحداث: فالنوم، وهو على أربعة أقسام: طويل ثقيل ينقض الوضوء، قصير ثقيل ينقض الوضوء، قصير خفيف لا ينقض الوضوء، طويل خفيف يستحب منه الوضوء.
ومن الأسباب التي تنقض الوضوء: زوال العقل بالجنون والإغماء والسكر.
وينتقض الوضوء بالردة، وبالشك في الحدث، وبمس الذكر المتصل بباطن الكف، أو بباطن الأصابع، أو بجنبيهما، ولو بأصبع زائد إن حس، وباللمس، وهو على أربعة أقسام: إن قصد اللذة ووجدها، فعليه الوضوء، وإن وجدها ولم يقصدها، فعليه الوضوء، وإن قصدها ولم يجدها، فعليه الوضوء، وإن
صفحة ٢
لم يقصد اللذة ولم يجدها، فلا وضوء عليه.
ولا ينتقض الوضوء بمس دبر ولا أنثيين، ولا بمس فرج صغيرة، ولا قيء، ولا بأكل لحم جزور، ولا حجامة، ولا فصد، ولا بقهقهة في صلاة، ولا بمس امرأة فرجها، وقيل: إن ألطفت فعليها الوضوء، والله أعلم.
باب أقسام المياه التي يجوز منها الوضوء
اعلم - وفقك الله تعالى - أن الماء على قسمين: مخلوط وغير مخلوط. فأما غير المخلوط فهو طهور، وهو الماء المطلق، يجوز منه الوضوء، سواء نزل من السماء، أو نبع من الأرض.
وأما المخلوط إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة: لونه، أو طعمه، أو ريحه، بشيء فهو على قسمين، تارة يختلط بنجس فيتغير به، فالماء نجس لا يصح منه الوضوء، وإن لم يتغير به، فإن كان الماء قليلا والنجاسة قليلة كره الوضوء منه على المشهور،
وتارة يختلط بطاهر فيتغير به، فإن كان الطاهر مما يمكن الاحتراز منه كالماء المخلوط بالزعفران والورد والعجين وما أشبه ذلك فهذا الماء طاهر في نفسه غير مطهر لغيره، فيستعمل في العادات، من طبخ وعجن وشرب ونحو ذلك، ولا يستعمل في العبادات، لا في وضوء ولا في غيره،
وإن كان مما لا يمكن الاحتراز منه، كالماء المتغير بالسبخة أو الحمأة، أو الجاري على معدن زرنيخ أو كبريت أو نحو ذلك، فهذا كله طهور يصح منه الوضوء. والله أعلم.
صفحة ٣
باب فرائض الوضوء
فأما فرائض الوضوء فسبعة: النية عند غسل الوجه، وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح جميع الرأس، وغسل الرجلين إلى الكعبين، والفور، والتدليك. فهذه سبعة.
لكن يجب عليك في غسل وجهك أن تخلل شعر لحيتك إن كان شعر اللحية خفيفا تظهر البشرة تحته، وإن كان كثيفا فلا يجب عليك تخليلها، وكذلك يجب عليك في غسل يديك أن تخلل أصابعك على المشهور.
وأما سنن الوضوء فثمانية: غسل اليدين أولا إلى الكوعين، والمضمضة، والاستنشاق، والاستنثار، وهو جذب الماء من الأنف، ورد مسح الرأس، ومسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما، وتجديد الماء لهما، وترتيب فرائضه.
وأما فضائله فسبعة: التسمية، والموضع الطاهر، وقلة الماء بلا حد، ووضع الإناء على اليمين إن كان مفتوحا، والغسلة الثانية والثالثة إذا أوعب بالأولى، والبدء بمقدم الرأس، والسواك. والله أعلم.
باب فرائض الغسل وسننه وفضائله
فأما فرائضه فخمسة: النية، وتعميم الجسد بالماء، ودلك جميع الجسد، والفور، وتخليل الشعر.
وأما سننه فأربعة: غسل يديه أولا إلى كوعيه، والمضمضة، والاستنشاق، ومسح صماخ الأذنين.
وأما فضائله فستة: البدء بإزالة الأذى عن جسده، ثم إكمال أعضاء وضوئه، وغسل
صفحة ٤
الأعالي قبل الأسافل، وتثليث الرأس بالغسل، والبدء بالميامن قبل المياسر، وقلة الماء مع إحكام الغسل. والله أعلم.
باب التيمم
وللتيمم فرائض وسنن وفضائل، فأما فرائضه فأربعة: النية، وهي أن ينوي استباحة الصلاة؛ لأن التيمم لا يرفع الحدث على المشهور، وتعميم وجهه ويديه إلى كوعيه، والضربة الأولى، والصعيد الطاهر، وهو كل ما صعد على وجه الأرض من تراب أو رمل أو حجارة أو سبخة أو نحو ذلك.
وأما سننه فثلاثة: ترتيب المسح، والمسح من الكوع إلى المرفق، وتجديد الضربة لليدين.
وأما فضائله فثلاثة أيضا: التسمية، والبدء بمسح ظاهر اليمنى باليسرى إلى المرفق ، ثم بالباطن إلى آخر الأصابع، ومسح اليسرى مثل ذلك. والله أعلم.
باب شروط الصلاة
وللصلاة شروط وجوب، وشروط صحة،
فأما شروط وجوبها فخمسة: الإسلام، والبلوغ، والعقل، ودخول الوقت، وبلوغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما شروط صحتها فستة: طهارة الحدث، وطهارة الخبث، واستقبال القبلة، وستر العورة، وترك الكلام، وترك الأفعال الكثيرة. والله أعلم.
باب فرائض الصلاة وسننها وفضائلها ومكروهاتها
فأما فرائض الصلاة فثلاثة عشر: النية، وتكبيرة الإحرام، والقيام
صفحة ٥
لها، وقراءة الفاتحة، والقيام لها، والركوع، والرفع منه، والسجود، والرفع منه، والجلوس من الجلسة الأخيرة بقدر السلام، والسلام المعرف بالألف واللام، والطمأنينة، والاعتدال.
وأما سنن الصلاة فاثنا عشر: السورة بعد الفاتحة في الركعة الأولى والثانية، والقيام لها، والسر فيما يسر فيه والجهر فيما يجهر فيه، وكل تكبيرة سنة إلا تكبيرة الإحرام فإنها فرض - كما تقدم -
وسمع الله لمن حمده للإمام والمنفرد، والجلوس الأول، والزائد على قدر السلام من الجلوس الثاني، ورد المقتدي على إمامه السلام، وكذلك رده على من على يساره إن كان على يساره أحد، والسترة للإمام والفذ إن خشيا أن يمر أحد بين يديهما.
وأما فضائل الصلاة فعشرة: رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وتطويل قراءة الصبح والظهر وتقصير قراءة العصر والمغرب وتوسط العشاء، وقول: (ربنا ولك الحمد) للمقتدي والفذ، والتسبيح في الركوع والسجود، وتأمين الفذ والمأموم مطلقا، وتأمين الإمام في السر فقط.
والقنوت هو:
اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، ونخنع لك ونخلع ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخاف عذابك، إن عذابك الجد بالكافرين ملحق.
والقنوت لا يكون إلا في الصبح خاصة، ويكون
صفحة ٦
قبل الركوع، وهو سر.
والتشهد سنة، ولفظه:
التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات، الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله.
فإن سلمت بعد هذا أجزأك ، وإن شئت قلت: (وأشهد أن الذي جاء به محمد حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الصراط حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، اللهم صل على ملائكتك والمقربين، وعلى أنبيائك والمرسلين، وعلى أهل طاعتك أجمعين، اللهم اغفر لي ولوالدي ولأئمتنا ولمن سبقنا بالإيمان، مغفرة عزما، اللهم إني أسألك من كل خير سألك منه محمد نبيك صلى الله عليه وسلم، وأعوذ بك من كل شر استعاذك منه محمد نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، ومن فتنة القبر، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن عذاب النار وسوء المصير.
وأما مكروهات الصلاة: فالدعاء بعد
صفحة ٧
الإحرام وقبل القراءة، والدعاء في أثناء الفاتحة وأثناء السورة، والدعاء في الركوع، والدعاء بعد التشهد الأول، والدعاء بعد سلام الإمام، والسجود على الثياب والبسط وشبههما مما فيه رفاهية، بخلاف الحصير فإنه لا يكره السجود عليها، ولكن تركها أولى، والسجود على الأرض أفضل،
ومن المكروه السجود على كور عمامته أو طرف كمه أو ردائه، والقراءة في الركوع والسجود، والدعاء بالعجمية للقادر على العربية، والالتفات في الصلاة، وتشبيك أصابعه وفرقعتها، ووضع يديه على خاصرته، وإقعاؤه، وتغميض عينيه، ووضع قدمه على الأخرى،
وتفكره بأمر دنيوي، وحمل شيء بكمه أو فمه، وعبث بلحيته، والمشهور في البسملة والتعوذ الكراهة في الفريضة دون النافلة، وعن مالك قول بالإباحة، وعن ابن مسلمة أنها مندوبة، وعن ابن نافع وجوبها، فإن فعل شيئا من المكروهات في صلاته كره له ذلك، ولا تبطل صلاته. والله أعلم.
باب مندوبات الصلاة
ويستحب للمكلف أن يتنفل قبل الظهر وبعدها، وقبل العصر، وبعد المغرب، ويستحب الزيادة في النفل بعد المغرب، وهذا كله ليس بواجب وإنما هو على طريق الاستحباب،
وكذلك يستحب الضحى، والتراويح، وتحية المسجد، والشفع وأقله ركعتان، والوتر
صفحة ٨
ركعة بعده، وهو سنة مؤكدة، والقراءة في الشفع والوتر جهرا،
ويقرأ في الشفع في الركعة الأولى بأم القرآن و (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية بأم القرآن و (قل يا أيها الكافرون) وفي الوتر بأم القرآن و (قل هو الله أحد) والمعوذتين، وركعتا الفجر من الرغائب، وقيل من السنن، ويقرأ فيهما سرا بأم القرآن فقط. والله أعلم.
باب مفسدات الصلاة
وتفسد الصلاة بالضحك عمدا أو سهوا، وبسجود السهو للفضيلة، وبتعمد زيادة ركعة أو سجدة أو نحو ذلك في الصلاة، وبالأكل والشرب،
وبالكلام عمدا إلا لإصلاح الصلاة، فتبطل بكثيره دون يسيره، وبالنفخ عمدا، وبالحدث، وذكر الفائتة، وبالقيء إن تعمده، وبزيادة أربع ركعات سهوا في الرباعية والثلاثية، وبزيادة ركعتين في الثنائية، وبسجود المسبوق مع الإمام للسهو قبليا أو بعديا إن لم يدرك معه ركعة، وبترك السجود القبلي إن كان عن نقص ثلاث سنن وطال. والله أعلم.
باب سجود السهو:
وسجود السهو سجدتان قبل سلامه إن نقص سنة مؤكدة، يتشهد لهما ويسلم منهما، وإن زاد سجد بعد سلامه، وإن نقص وزاد سجد قبل سلامه، لأنه يغلب جانب النقص على جانب الزيادة.
صفحة ٩
والساهي في صلاته على ثلاثة أقسام:
تارة يسهو عن نقص فرض من فرائض صلاته، فلا يجبر بسجود السهو ولا بد من الإتيان به، وإن لم يذكر ذلك حتى سلم وطال بطلت صلاته ويبتدئها.
وتارة يسهو عن فضيلة من فضائل صلاته كالقنوت، و (ربنا ولك الحمد) وتكبيرة واحدة، وشبه ذلك، فلا سجود عليه في شيء من ذلك، ومتى سجد لشيء من ذلك قبل سلامه بطلت صلاته ويبتدئها.
وتارة يسهو عن سنة من سنن صلاته، كالسورة مع أم القرآن، أو تكبيرتين أو التشهدين أو الجلوس لهما وما أشبه ذلك، فيسجد لذلك.
ولا يفوت البعدي بالنسيان، ويسجده ولو ذكره بعد شهر من صلاته.
ولو قدم السجود البعدي أو أخر السجود القبلي أجزأه ذلك، ولا تبطل صلاته على المشهور.
ومن لم يدر ما صلى، ثلاثا أو اثنتين، فإنه يبني على الأقل، ويأتي بما شك فيه ويسجد بعد سلامه. والله أعلم.
باب في الإمامة
ومن شروط الإمام أن يكون ذكرا، مسلما، عاقلا، بالغا، عالما بما لا تصح الصلاة إلا به من قراءة وفقه،
فإن اقتديت بإمام ثم تبين لك أنه كافر، أو امرأة، أو خنثى مشكل، أو مجنون، أو فاسق بجارحة، أو صبي لم يبلغ الحلم، أو محدث تعمد الحدث، بطلت صلاتك ووجبت عليك الإعادة.
ويستحب سلامة الأعضاء للإمام، وتكره
صفحة ١٠
إمامة الأقطع والأشل، وصاحب السلس، ومن به قروح للصحيح، وإمامة من يكره.
ويكره للخصي والأغلف والمأبون، ومجهول الحال، وولد الزنا، والعبد في الفريضة أن يكون إماما راتبا، بخلاف النافلة فإنها لا تكره بواحد منهم.
وتجوز إمامة الأعمى، والمخالف في الفروع، والعنين، والمجذم إلا أن يشتد جذامه ويضر بمن خلفه فينحى عنهم.
ويجوز علو المأموم على إمامه ولو بسطح، ولا يجوز للإمام العلو على مأمومه إلا بالشيء اليسير كالشبر ونحوه. وإن قصد الإمام أو المأموم بعلوه الكبر بطلت صلاته.
ومن شروط المأموم أن ينوي الاقتداء بإمامه، ولا يشترط في حق الإمام أن ينوي إلا في أربع مسائل: في صلاة الجمعة، وصلاة الجمع، وصلاة الخوف، وصلاة الاستخلاف، وزاد بعضهم فضل الجماعة على الخلاف في ذلك.
ويستحب تقديم السلطان في الإمامة، ثم رب المنزل، ثم المستأجر يقدم على المالك، ثم الزائد في الفقه، ثم الزائد في الحديث، ثم الزائد في القراءة، ثم الزائد في العبادة، ثم المسن في الإسلام، ثم ذو النسب، ثم جميل الخلق، ثم حسن الخلق، ثم حسن اللباس، ومن كان له حق التقديم في الإمامة ونقص عن درجتها كرب الدار - وإن كان عبدا أو امرأة أو غير عالم مثلا - فإنه يستحب له أن يستنيب من هو أعلم منه. والله أعلم
صفحة ١١
باب صلاة الجمعة
وصلاة الجمعة فرض على الأعيان، ولها شروط وجوب، وأركان، وآداب، وأعذار تبيح التخلف عنها.
فأما شروط وجوبها فسبعة : الإسلام، والبلوغ، والعقل، والذكورية، والحرية، والإقامة، والصحة.
وأما أركانها فخمسة: الأول: المسجد الذي يكون جامعا. الثاني: الجماعة، وليس لهم حد عند مالك، بل لا بد أن تكون جماعة تتقرى بهم قرية، ورجح بعض أئمتنا أنها تجوز باثني عشر رجلا باقين لسلامها. الثالث: الخطبة الأولى، وهي ركن على الصحيح، وكذلك الخطبة الثانية على المشهور، ولا بد أن تكون بعد الزوال وقبل الصلاة، وليس في الخطبة حد عند مالك أيضا، ولا بد أن تكون مما تسميه العرب خطبة، وتستحب الطهارة فيهما، وفي وجوب القيام لهما تردد. الرابع: الإمام، ومن صفته أن يكون ممن تجب عليه الجمعة، إحترازا من الصبي والمسافر وغيرهما ممن لم تجب عليهم، ويشترط أن يكون المصلي بالجماعة هو الخاطب إلا لعذر يمنعه من ذلك، من مرض أو جنون أو نحو ذلك، ويجب انتظاره للعذر القريب على الأصح. الخامس: موضع الاستيطان، فلا تقام الجمعة إلا في موضع يستوطن فيه ويكون محلا للإقامة يمكن المثوى فيه، بلدا كان أو قرية.
وأما آداب الجمعة فثمانية: الأول: الغسل لها، وهو سنة عند الجمهور،
صفحة ١٢
ومن شروطه أن يكون متصلا بالرواح، فإن اغتسل واشتغل بغداء أو نوم أعاد الغسل على المشهور. الثاني: السواك. الثالث: حلق الشعر. الرابع: تقليم الأظافر. الخامس: تجنب ما يتولد منه الرائحة الكريهة. السادس: التجمل بالثياب الحسنة. السابع: التطيب لها. الثامن: المشي لها دون الركوب، إلا لعذر يمنعه من ذلك.
وأما الأعذار المبيحة للتخلف عنها، فمن ذلك المطر الشديد، والوحل الكثير، والمجذم الذي تضر رائحته بالجماعة، والمرض، والتمريض؛ بأن يكون عنده أحد من أهله مريضا، كالزوجة والولد وأحد الأبوين، وليس عنده من يعوله، فيحتاج إلى التخلف لتمريضه، ومن ذلك إذا احتضر أحد من أقاربه أو إخوانه، قال مالك في الرجل يهلك يوم الجمعة فيتخلف عنده رجل من إخوانه ينظر في شأنه: لا بأس بذلك. ومنها لو خاف على نفسه من ضرب ظالم أو حبسه أو أخذ ماله، وكذلك المعسر يخاف أن يحبسه غريمه على الأصح، ومن ذلك الأعمى الذي لا قائد له ، أما لو كان له قائد، أو كان ممن يهتدي للجامع بلا قائد، فلا يجوز له التخلف عنها.
ويحرم السفر عند الزوال من يوم الجمعة على من تجب عليه الجمعة، وكذلك يحرم عليه الكلام والنافلة والإمام يخطب، سواء كان في الخطبة الأولى أو الثانية، ويجلس الرجل ولا يصلي، إلا أن يكون تلبس
صفحة ١٣
بنفل قبل دخول الإمام، فيتم ذلك.
ويحرم البيع والشراء عند الأذان الثاني، ويفسخ إن وقع، ويكره ترك العمل يوم الجمعة، وتنفل الإمام قبل الخطبة، وكذلك يكره للجالس أن يتنفل عند الأذان الأول، ويكره حضور الشابة للجمعة، وكذلك السفر بعد الفجر. والله أعلم.
باب صلاة الجنازة
وصلاة الجنازة فرض على الكفاية، وأركانها أربعة: النية، وأربع تكبيرات، والدعاء بينهن، والسلام.
ويدعو بما تيسر، واستحسن ابن أبي زيد في رسالته أن يقول: الحمد لله الذي أمات وأحيا، والحمد لله الذي يحيى الموتى، له العظمة والكبرياء، والملك والقدرة والسناء، وهو على كل شيء قدير، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك، أنت خلقته ورزقته وأنت أمته وأنت تحييه وأنت أعلم بسره وعلانيته، جئناك شفعاء له فشفعنا فيه، اللهم إنا نستجير بحبل جوارك له، إنك ذو وفاء وذمة، اللهم قه من فتنة القبر ومن عذاب جهنم، اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بماء وثلج وبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا
صفحة ١٤
خيرا من زوجه، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه، اللهم إنه قد نزل بك وأنت خير منزول به، فقير إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه، اللهم ثبت عند المسألة منطقه، ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به، وألحقه بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده).
تقول ذلك بإثر كل تكبيرة وتقول بعد الرابعة: (اللهم اغفر لحينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم متقلبنا ومثوانا، واغفر لنا ولوالدينا ولمن سبقنا بالإيمان مغفرة عزما وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام، وأسعدنا بلقائك وطيبنا للموت وطيبه لنا واجعل فيه راحتنا ومسرتنا).
ثم تسلم، وإن كانت الصلاة على امرأة قلت: (اللهم إنها أمتك .. ) ثم تتمادى بذكرها على التأنيث، غير أنك لا تقول: وأبدلها زوجا خيرا من زوجها لأنها قد تكون زوجا في الجنة لزوجها في الدنيا، ونساء الجنة مقصورات على أزواجهن لا يبغين بهم بدلا.
وإن أدركت جنازة ولم تعلم أذكر هي أم أنثى قلت: (اللهم إنها نسمتك .. ) ثم تتمادى بذكرها على التأنيث، لأن النسمة تشمل الذكر والأنثى.
وإن كانت الصلاة على طفل قلت ما تقدم من النية والتكبيرات والدعاء، غير أنه يستحب أن تقول
صفحة ١٥
بعد الثناء على الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنه عبدك وابن عبدك، أنت خلقته ورزقته وأنت أمته وأنت تحييه، اللهم اجعله لوالديه سلفا وذخرا وفرطا وأجرا، وثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما ولا تحرمنا وإياهما أجره ولا تفتنا وإياهما بعده، اللهم ألحقه بصالح سلف المؤمنين، في كفالة إبراهيم، وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وعافه من فتنة القبر ومن عذاب جهنم).
تقول ذلك بإثر كل تكبيرة، وتقول بعد الرابعة: (اللهم اغفر لأسلافنا وأفراطنا ولمن سبقنا بالإيمان، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام، واغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات) ثم تسلم. والله أعلم.
باب الصيام
وصوم رمضان فريضة يثبت بكمال شعبان، أو برؤية عدلين للهلال، أو جماعة مستفيضة، وكذلك الفطر.
ويبيت الصيام في أوله، وليس عليه البيات في بقيته، ويتم الصيام إلى الليل، ومن السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور.
وحيث ثبت الشهر قبل الفجر وجب الصوم، وإن لم يثبت إلا بعد الفجر وجب الإمساك، ولا بد من قضاء ذلك اليوم، والنية قبل ثبوت الشهر باطلة، حتى لو نوى قبل الرؤية
صفحة ١٦
ثم أصبح لم يأكل ولم يشرب ثم تبين له أن ذلك اليوم من رمضان لم يجزه، ويمسك عن الأكل والشرب لحرمة الشهر، ويقضيه.
ولا يصام يوم الشك ليحتاط به من رمضان، ويجوز صيامه للتطوع والنذر إذا صادف، ويستحب الإمساك في أوله ليتحقق الناس الرؤية، فإن ارتفع النهار ولم تظهر رؤية أفطر الناس.
ولا يفطر من ذرعه القيء، إلا أن يعالج خروجه فعليه القضاء، ولا يفطر من احتلم، ولا من احتجم، وتكره الحجامة للمريض خيفة التغرير.
ومن شروط صحة الصوم النية السابقة للفجر، سواء كان فرضا أو نفلا، والنية الواحدة كافية في كل صوم يجب تتابعه، كصوم رمضان، وصيام كفارة الظهار، والقتل، والنذر الذي أوجبه المكلف على نفسه، وأما الصيام المسرود واليوم المعين فلا بد من التبييت فيه كل ليلة.
ومن شروط صحة الصوم النقاء من دم الحيض والنفاس، فإن انقطع دم الحيض والنفاس قبل الفجر ولو بلحظة وجب عليها صوم ذلك اليوم، ولو لم تغتسل إلا بعد الفجر، وتعاد النية إذا انقطع التتابع بالمرض والحيض والنفاس وشبه ذلك.
ومن شروط صحة الصوم العقل، فمن لا عقل له، كالمجنون والمغمى عليه، لا يصح منه الصوم في تلك الحالة، ويجب على المجنون إذا عاد إليه عقله ولو بعد سنين كثيرة أن يقضي ما فاته من الصوم في حال جنونه، ومثله المغمى عليه إذا
صفحة ١٧
أفاق.
ومن شروط صحة الصوم ترك الجماع والأكل والشرب، فمن فعل في نهار رمضان شيئا من ذلك متعمدا من غير تأويل قريب ولا جهل فعليه القضاء والكفارة، والكفارة في ذلك إطعام ستين مسكينا مدا لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل، وله أن يكفر بعتق رقبة مؤمنة، أو بصيام شهرين متتابعين،
وما وصل من غير الفم إلى الحلق من أذن أو أنف أو نحو ذلك، ولو كان بخورا، فعليه القضاء فقط ، ومثله البلغم الممكن طرحه، والغالب من المضمضة والسواك.
وكل ما وصل إلى المعدة ولو بالحقنة المائعة، وكذا من أكل بعد شكه في الفجر ليس عليه في جميع ذلك كله إلا القضاء.
ولا يلزمه القضاء في غالب من ذباب أو غبار طريق أو دقيق أو كيل جبس لصانعه، ولا في حقنة من إحليل، ولا في دهن جائفة.
ويجوز للصائم السواك جميع نهاره، والمضمضة للعطش، والإصباح بالجنابة، والحامل إذا خافت على ما في بطنها أفطرت ولم تطعم، وقد قيل تطعم، والمرضع إذا خافت على ولدها ولم تجد من تستأجره له أو لم يقبل غيرها أفطرت وأطعمت،
وكذلك الشيخ الهرم يطعم إذا أفطر، ومثله من فرط في قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر، والإطعام في هذا كله مد عن كل يوم يقضيه.
ويستحب للصائم كف لسانه، وتعجيل قضاء ما في ذمته
صفحة ١٨
من الصوم، وتتابعه، ويستحب صوم يوم عرفة لغير الحاج، وصوم عشر ذي الحجة والمحرم، ورجب، وشعبان، وثلاثة أيام من كل شهر،
وكره مالك أن تكون البيض لفراره من التحديد، وكذا كره صيام ستة من شوال مخافة أن يلحقها الجاهل برمضان.
ويكره ذوق الملح للصائم، فإن فعل ذلك ومجه ولم يصل إلى حلقه منه شيء فلا شيء عليه، ومقدمات الجماع مكروهة للصائم كالقبلة والجسة والنظر المستدام والملاعبة إن علمت السلامة من ذلك وإلا حرم عليه ذلك، لكنه إن أمذى من ذلك فعليه القضاء فقط، وإن أمنى فعليه القضاء والكفارة.
وقيام رمضان مستحب مرغب فيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).
ويستحب الانفراد به إن لم تعطل المساجد. والله أعلم.
صفحة ١٩