مطمح الآمال في إيقاظ جهلة العمال من سيرة الضلال
تصانيف
[(24) الإمام يحيى بن عبد الله بن الحسن]
( ... - نحو 180 ه / ... - نحو 796 م)
وأما الإمام يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن عليه السلام.
فكان أعلى الناس في الزهد والعبادة مقاما، وهو من أصحاب الحسين الفخي [عليه السلام] وخاله وله معه مقامات محمودة.
وصل إلى (صنعاء) وأخذ عن علمائها علما كثيرا، ثم دخل بلاد (الحبشة) ثم بلاد (الترك) فأكرمه ملكها وأسلم على يديه وبث دعوته في الآفاق ولما بلغ خبره الرشيد العباسي خاف وقطع شرب الخمر ولبس الصوف وافترش اللبود وتحلى بغير عادته لما علا صيت يحيى بن عبد الله، وانتشر صلاحه وزهده وفضله وعلمه، وكان من جملة من بايعه محمد بن إدريس الشافعي وغيره من علماء ذلك العصر.
ولما ظهر فضله جهز هارون إليه الفضل بن يحيى وأمره أن يبذل له من الأموال والإقطاع ما لا يحصى، وأن ينزله من البلاد حيث شاء ، وكتب إليه كتابا أجابه فيه الإمام يحيى بن عبد الله؛ فقال: أما بعد، فقد فهمت كتابك وما عرضت علي فيه من الأمان، على أن تبذل لي أموال المسلمين وتقطعني ضياعهم التي جعل الله لهم دوني ودونك ولم يجعل لنا فيها [34أ]نقيرا ولا فتيلا، فاستعظمت الاستماع له فضلا عن الركون إليه، واستوحشت منه تنزها عن قبوله، فاحبس عني أيها الإنسان مالك وأقطاعك، ثم ذكر عليه السلام ما فعلوه مع أهل بيته من القتل والأسر وطول الكلام بما يبهر الناظرين، حتى قال آخر كتابه: أفأبيع خطري بمالكم وشرف موقفي بدراهمكم وألبس العار والشنآن بمقامكم؛ لقد ظللت إذن وما أنا من المهتدين، والله ما أكلي إلا الجشب ولا لباسي إلا الخشن ولا شعاري إلا الدرع ولا صاحبي إلا السيف ولا فراشي إلا الأرض ولا شهوتي من الدنيا إلا لقاؤكم، والرغبة في مجاهدتكم ولو موقعا واحدا لانتظار إحدى الحسنين في ذلك كله من ظفر أو شهادة.
صفحة ١٧٣