62

وما أرسلناك إلا كافة للناس [سبأ: 28].

وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [الأنبياء: 107].

ويفصل رسول الدعوة آيات الكتاب الذي أنزل إليه فيقول في تفسير هذه الآيات: «لا فضل لعربي على أعجمي ولا لقرشي على حبشي إلا بالتقوى.»

ولو لم يكن من سعة المسافة بين المقدمات وهذه النتيجة غير هذا الذي أجملناه لكان فيه الكفاية.

لكن العجب منه يتضاعف ويتعاظم حين تأتي النتيجة من أعماق الجزيرة العربية، حيث مشتجر الأنساب والأعراق على نحو لم يعرف له مثيل بين الأمم والعصبيات.

وبقية تبقى بعد ذلك لعجب فوق ذلك العجب المتضاعف المتعاظم، فإن الرسول الذي نادى بهذه المساواة بين الأصول والأمم لم يكن دون أحد من أبناء الجزيرة كلها حسبا ونسبا من أبويه الشريفين؛ بل كان من شرف الأبوة في الذؤابة التي يعترف بها النظراء، ويعنو لها المكابرون. وهذا الرسول هو الذي يتعلم منه الناس أنهم إذا صلحوا واستقاموا:

فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون [المؤمنون: 101].

المسئولية الفردية

وللديانة الإنسانية مناط واحد هو ضمير كل فرد من أفرادها، فما لم يكن لهذا الضمير حساب وعليه تبعة، فلا ديانة لإنسان ولا لجملة الناس.

وفكرة التبعة الفردية والمسئولية الفردية بسيطة سهلة الفهم، تتجدد الحاجة إلى تطبيقها كل يوم في كل بيئة اجتماعية، فلو كانت الفكرة تروج بمقدار بساطتها، وسهولة فهمها، وتجدد الحاجة إلى تطبيقها؛ لما خلا المجتمع الإنساني قط من مبدأ المسؤلية الفردية منذ أوائل عهد الإنسان بالاجتماع.

صفحة غير معروفة