هذا، والقياس دليل عند أكثر الأمة أو كلها، لاتفاق الصحابة رضي الله عنهم عليه، والاستنباط به عند المعارضة غير ممتنع عند الجميع. والمصالح المرسلة أكثر الأئمة على أنها ليست بدليل، فإذا ذم هؤلاء على المعارضة بالدليل الأقوى، فكيف لمن أراد معارضة النصوص بالذي هو أدنى، فإن قلت: لعل هؤلاء أرادوا الربا جملة، وهذا الذي رأى أن يحلل أخذ المال من الجناة بالمصلحة، إنما أراد أن يشرع بعض الباطل لأكله. وكثير ما بين التعطيل والتخصيص، قلت: الباطل والظلم لا يقبل المشروعية عقلا عند خلق، وشرعا عند الكثير، "وما ربك بظلام للعبيد"(¬1).
فإن قلت: وهذا بناء على أن ما يؤخذ من الجناة ظلم وباطل، وهذا المملي يمنع من ذلك. قلت: قد أقمنا الدليل القاطع على أنه ظلم وباطل من قبل، والمملي لم يخالف في هذا، بل وافق في أول كلامه وآخره على أنه ظلم وأكل للمال بالباطل، إلا أنه أراد أن يشرعه من باب ارتكاب الضرر الأدنى لرفع الضرر الأعلى بزعمه، وهذا مما تبدع بهذا الجواب، وإلا فالقدر المشترك هو الاجتهاد مع وجود النص، وهو غاية الذم والوعيد حسبما دل عليه التعبير بقوله تعالى: "ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا، وأحل الله البيع وحرم الربا". والواو واو الحال، أي قالوا ذلك في حال أن الله تعالى قد حرم الربا، أي قاسوا في مقابلة النص، وبيان ذلك أن الله قد شرع البيع ونهى عن الربا، كما شرع الحد ونهى عن أكل المال بالباطل.
صفحة ١١١