مطالع البدور ومنازل السرور

الغزلي ت. 815 هجري
141

مطالع البدور ومنازل السرور

الفصل الحمام الجديد البناء يتحلل من حيطانه رطوبات ممتزجة بجوهر الكلس والجص والقار ويتبخر بحرارة الحمام فيضر استنشاقها بالروح والنفس لأنها كيفيات رديئة خانقة يستصحب النفس ويهجم به على القلب فيغير قوام صحته بسبب ردأة الهواء الواصل به بهذه الكيفيات الرديئة الجوهر فأما إذا عتقت الحمام قبل تحليل الأبخرة الرديئة منها ومن حيطانها فيؤمن من الضرر الحاصل منها ومن الواجب أيضًا أن يكون الفناء متسعًا لأن أبخرة الحمام رديئة وكثيرة ومحتبسة لأنها تتحلل من أبخرة أبدان الناس ومن أنفاسهم ومن مجارى الحمام النافذة إلى فضاء الحمام فيكثر ويتراكم ويختلط بهواء الحمام فيزيده رداءة إلى رداءته المكتسبة بحرارة الحمام فإذا استنشقه الإنسان أضر بحرارته الغريزية وأنهكها بسبب خروجه لها عن الاعتدال في كمه وكيفيته أما كمه فهو كثرة الأبخرة المخالطة له وأما كيفيته فرداءات الأبخرة مع سخونة هواء الحمام فإذا كانت الحمام واسعة الفضاء تعلقت الأبخرة بأعالي الحمام وتبددت وتفرقت فتلطف الهواء المستنشق فيها فيكون أقل ضررًا من الحمام الصغير ويجب أيضًا أن تكون الحمام عالية البناء فإن ذلك معين على تقليل ضرر أبخرتها المستنشقة قال: وأما عذوبة مائها فلا تحتاج إلى تعليل لظهوره لن المياه إذا كانت عذبة طيبة ليس فيها شيء من الكيفيات الغريبة عدلت غالب الأمزجة وصححتها فإن كانت كيفية غريبة مثل أن تكون مالحة أو كبريتية أو نحاسية أو حديدية أو لها مرور على معادن رديئة الجوهر أو على منابت أشجار جبيثة أو على مطابخ وأجام مبنية كثيرة الحيوانات الرديئة كأنواع الدود والضفادع والحيات وما أشبه ذلك أخرجت المزاج عن اعتداله إلى حكم هذه الكيفيات الرديئة قال الشارح ومنافع الحمام كثيرة وأعظمها منفعة هو أنها إذا كانت معتدلة الهواء والماء فإنها تفتح مسام البدن فيسهل بذلك خروج الفضل منه ويكسبه رطوبة عذبة يصير بها البدن إلى نشاط وقوة وتفريح، وقال الرئيس أبو علي الحسين بن سينا ﵀ في كتاب سماه حفظ الصحة لم يذكر فيه سوى أحكام الأسباب الستة الضرورية لا غير وينبغي أن يكون للحمام ثلاثة بيوت بيت معتدل وهو الذي لا يحسن فيه بحر ولا برد وبيت يحس فيه بحرارة معتدلة وبيت يحس فيه بحرارة زائدة عن الثانية بشرط أن يكون النفس فيه مستقيمًا غير متواتر فالبيت الأول يضر كبير مضرة والثاني والثالث فلا يمكث فيهما إلا بقدر ما يتحلل من الرطوبة ما من شأنه أن يتحلل فإن طال المكث بها أكثر من المقدار المعتدل وخصوصًا أن اقترن معه حركات قوية فإنه يوقع في الدق لاشتداد سخونة القلب أو الاستسقاء لتحلل الحار الغريزي فيبرد مزاج الاحشاء قال وينبغي أن يجتنب الحمام على الامتلاء من الطعام فإنه يولد سددا في الكبد والعروق لانجذاب المواد الغذائية غير منهضمة إلى ظاهر البدن فيكون ذلك سببًا لحدوث أنواع الحميات العفينة والإسهال الكائن بأدوار ويجتنب فيه الأشياء الباردة مثال فقاع والماء البارد لأن فيه خطرًا عظيمًا جدًا لأن الشئ البارد السيال إذا حصل في المعدة هجم دفعة على الكبد والقلب فبرودهما وأنهك حرارتها الغريزية وأضعف الاحشاء وهيأها للاستسقاء ويجتنب فيه الجماع أيضًا فإنه يسقط القوة ويوقع في أمراض خطرة واعلم أن الحمام الحار جدًا يسيل الأخلاط الجامدة إلى أعماق الأعضاء فيحدث أما سددا وأما أوراما ويصعدها إلى الدماغ ويحدث أما صداعًا شديدًا أو برساما، والحمام البارد يحرك المادة التي تحركت بالعرق حركة ناقصة فتنجذب المواد إلى جهة سطح البدن فربما أحدثت شبيهًا بالورم والحكة وربما أحدث الزكام والمغص، ورش الماء البارد أو بله بعد الحمام فإنه ينعش القوة المسترخية من الكرب ومن لهيب الحميات وعند المغشى وخصوصًا بماء الورد والخل وربما صحح الشهوة وآثارها ونصر أصحاب النوازل والصداع وأما سكب الماء البارد على الرجلين فأحكامه أحكام ما تقدم في الرش على الوجه والحمام النافع على سبيل الإجمال وهو الحمام المعتدل في حره وبرده الطيب الرائحة العذب الماء والتي أضواؤه كثيرة مشرقة وفناؤه واسع وفيه تصاوير بديعة الصنعة بينة الحسن مثل عاشق معشوق ومثل رياض وبساتين وطرد خيل ووحوش فإن في تصوير مثل هذه تقوية قوية بليغة لجميع قوى البدن الحيوانية والطبيعية والنفسانية وقال الحكيم بدر الدين بن مظفر

1 / 141