رآها أنها صخور محررة لولا ما تحتها من الحجارة المختصرة، وقد كانت من غرر القلاع المشتهرة بالارتفاع والامتناع، وهي الآن خراب مأوى للبوم والغُرَاب، ورأينا الحجر المعروف بحجر الحبلى، وهو حجر مربع مستطيل، عرضه كالصفّة العريضة وطوله كالحائط الطويل، وهو خارج المدينة على نحو ثلث ميل، وهو أحد حجارة بناء القلعة العجيبة، وله عندهم حكاية من جنس ما تقدم عن العين غريبة، وسَلَّمْنا على ولي الله تعالى الشيخ محمد المنير العطّار، وهو من عِبَاد الله الصُّلحاء الأخيار، كثير الأوراد والأذكار، ملازم للعبادة آناء الليل وأطراف النهار، وقد كان ممن يتردد إلى سيدي شيخ الإسلام الوالد، وكان يسميه بالصَّالح الزاهد، وزرنا سيدي القطب العارف بالله تعالى الشيخ عبد الله اليُونِينيّ من أسفل الجبل، ثم عدنا إلى المخيم وقرص الشمس قد أفلت من يد السماء، وأفل وارتحل ذلك النهار، وحلّ للصائم الإفطار، ثم لمّا كفيت مؤنة العشاء، ومضى نحو عشرين درجة بعد العشاء، وآن للسامر أن يهجع، أزمع القاضي على الرحيل وأجمع، وكان ذلك
برأي منه منكوس، وحظ له متعوس، فضلَّ عن سواء السبيل، وعن الطريق السهل القريب إلى طريق صعب طويل، فضيّع وقت الراحة في التعب في غير طائل، وصرف ساعة تجلّي الحقّ في السعي في الباطل، ولم نزل نصل السير بالسُّرى، ونكحل الأعين بإثمد الثرى، ونعزل عن مَحَالّ العيون والي الكرى، حتى وصلنا إلى قرية الراس، وقد تعبت البهائم والناس، فنزلنا بها ضحوة نهار الجمعة ثاني عشرين الشهر، وقد حمى النهار واشتدّ الحرّ، في مكان محجر وعر، موحش وغِر، معطش محر، فيه مياه سخنة، متغيرة اخبة، يسيرة قليلة، ضعيفة عليلة، فأقمنا هناك إلى وقت شدة القيلولة، ثم ارتحل عنها من تلك الساعة قاصدًا قرية الزَّراعَة فلم نحل بها:
1 / 42