مطالب السؤول في مناقب آل الرسول‏

محمد بن طلحة الشافعي‏ ت. 652 هجري
90

مطالب السؤول في مناقب آل الرسول‏

ومن ذلك ما نقله القاضي الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي ((رضي الله عنه)) في تصنيفه المسمى بالمصابيح مرويا عن أنس ((رضي الله عنه)) أن رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم))، لما خصص جماعة من الصحابة كل واحد بفضيلة، خصص عليا بعلم القضاء فقال: «وأقضاهم علي». وقد صدع هذا الحديث بمنطوقه وصرح بمفهومه أن أنواع العلم واقسامه قد جمعها رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) لعلي ((عليه السلام)) دون غيره، فإن كل واحد ممن خصه رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) بفضيلة خاصة لم يتوقف حصول تلك الفضيلة على غيرها من الفضائل والعلوم، فإنه ((صلى الله عليه وآله وسلم)) قال: «أفرضهم زيد بن ثابت وأقرأهم أبي وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل». ولا يخفى أن علم الفرائض لا يفتقر إلى علم آخر، ومعرفة القراءة لا تتوقف على سواها وكذلك العلم بالحلال والحرام، بخلاف علم القضاء فالنبي ((صلى الله عليه وآله وسلم)) قد أخبر بثبوت هذه الصفة العالية لعلي ((عليه السلام)) مع زيادة فيها، فإن صيغة أفعل تقتضي وجود أصل ذلك الوصف والزيادة فيه على غيره .

وإذا كانت هذه الصفة العالية قد أثبتها له فتكون حاصلة له، ومن ضرورة حصولها له أن يكون ((عليه السلام)) متصفا بها، ولا يتصف بها إلا بعد أن يكون كامل العقل صحيح التمييز جيد الفطنة بعيدا عن السهو والغفلة، يتوصل بفطنته إلى وضوح ما أشكل وفصل ما أعضل ذا عدالة تحجزه عن أن يحوم حول حمى المحارم، ومروءة تحمله على محاسن الشيم ومجانبة الدنايا صادق اللهجة ظاهر الأمانة عفيفا عن المحظورات، مأمونا في السخط والرضا عارفا بالكتاب والسنة والاتفاق والاختلاف والقياس ولغة العرب، بحيث يقدم المحكم على المتشابه والخاص على العام والمبين على المجمل والناسخ على المنسوخ ويبني المطلق على المقيد ويقضي بالتواتر دون الآحاد وبالمسند دون المرسل، وبالمتصل دون المنقطع وبالاتفاق دون الاختلاف، ويعرف أنواع

صفحة ٩٩