لأنني سيكون لي حبيب آخر، أفضل منه!
كنت أشعر بالإثارة؛ لأن بيرل آتية، كزائرة، كل هذه المسافة من كاليفورنيا، وأيضا لأنني كنت قد ذهبت إلى البلدة في أواخر شهر يونيو لأداء اختبارات القبول، وكنت أترقب سماع أنباء عن أنني نجحت بتفوق. كان على كل من نجح في الصف الثامن في مدارس البلدة أن يذهب إلى المدينة لأداء هذه الاختبارات. أحببت ذلك؛ صوت خشخشة ورق الفولسكاب، الصمت المهيب، المبنى الحجري الكبير للمدرسة الثانوية، كل حروف الأسماء الأولى القديمة المحفورة على المقاعد، التي أضفى الطلاء عليها لونا داكنا. الموجة الأولى من الصيف خارج البلدة، الضوء الأخضر والأصفر، أشجار الكستناء المميزة للبلدة، وشجيرات سلطان الجبل؛ كل ذلك كان في البلدة نفسها التي أعيش فيها الآن لما يربو عن نصف حياتي. كنت أتعجب من ذلك، وأتعجب من نفسي وأنا أرسم الخرائط في سهولة بالغة وأحل المسائل الحسابية، وأعرف كما هائلا من الإجابات. كنت أظن أنني غاية في البراعة، لكنني لم أكن بارعة بما يكفي لفهم أبسط شيء؛ لم أفهم حتى أن الاختبارات لم تكن لتصنع أي فارق في حالتي؛ فلم أكن لأذهب إلى المدرسة الثانوية. كيف لي أن أذهب؟ كان ذلك قبل أن توجد الحافلات المدرسية؛ كان على المرء أن يقيم في البلدة. لم يكن أبواي يمتلكان المال لذلك. كانا يحصلان على قدر زهيد جدا من المال، مثلما كان الحال مع الكثير من المزارعين آنذاك. كانت الأموال التي يحصلان عليها من العمل في مصنع الجبن هي الأموال الوحيدة التي ترد إليهما بانتظام. ولم يفكرا في أن تمضي حياتي في ذلك الاتجاه، اتجاه الالتحاق بالمدرسة الثانوية. كانا يعتقدان أنني يجب أن أمكث في المنزل وأساعد أمي، وقد أعمل بمقابل لمساعدة النساء المريضات أو اللائي ولدن في الحي. وذلك حتى يحين وقت زواجي. كان ذلك هو ما كانا ينتظران أن يخبراني إياه عندما أحصل على نتائج الاختبارات.
ربما يظن المرء أن أمي ربما كانت تفكر على نحو مختلف؛ حيث إنها كانت هي نفسها مدرسة. لكنها قالت إن الرب لا يعبأ بأي وظيفة يشغلها أي منا أو بأي مستوى من التعليم يتلقاه. فالرب لا يكترث البتة حيال ذلك، ولا يهم سوى ما يكترث به هو.
كانت هذه هي المرة الأولى التي فهمت كيف يمكن أن يكون الرب خصما حقيقيا، وليس محض مصدر للإزعاج أو صورة ذهنية فقط. •••
كان اسم أمي وهي طفلة ماريتا. ظل هذا اسمها، بالطبع، لكن حتى جاءت بيرل لزيارتنا لم أسمع أحدا يناديها بهذا الاسم قط. كان أبي دوما يناديها ب «أمي». كانت لدي فكرة طفولية - كنت أعلم أنها طفولية - أن «أمي» كان يناسبها أكثر مما كان يناسب الأمهات الأخريات. أمي، لا ماما. عندما أكون بعيدة عن أمي، لم أكن أستطيع أن أتخيل شكل وجهها، وكان هذا يخيفني. عند وجودي في المدرسة، التي كان يفصلها تل عن المنزل، كنت أحاول أن أستجمع في ذهني صورة وجه أمي. في بعض الأحيان كنت أظن أنني إذا لم أستطع أن أفعل ذلك، فربما كان يعني هذا أن أمي ماتت. لكنني كنت أشعر بها طوال الوقت، وكان يذكرني بها أبعد الأشياء احتمالا؛ بيانو مفتوح، أو قطعة طويلة بيضاء من الخبز. كان هذا سخيفا، لكنه كان حقيقيا.
كانت ماريتا، في ذهني، منفصلة عن أمي الناضجة. كانت ماريتا لا تزال تجري في حرية هنا وهناك في بلدتها رامزي، على ضفاف نهر أوتاوا. في تلك البلدة، كانت الشوارع مليئة بالجياد وبرك المياه الصغيرة الموحلة، وكان يخيم عليها جو من الكآبة بسبب الرجال الذين كانوا يأتون إليها من الغابة في عطلات نهاية الأسبوع؛ الحطابون. كان يوجد أحد عشر فندقا في شارع المدينة الرئيسي، حيث كان يمكث الحطابون ويسكرون.
كان المنزل الذي كانت ماريتا تسكنه يقع في منتصف شارع شديد الانحدار يرتفع تدريجيا من جهة النهر. كان منزلا مزدوجا، له نافذتان مشرفتان في الواجهة، وكانت توجد تعريشة خشبية تفصل بين الشرفتين الأماميتين. كان الزوجان ساتكليف يعيشان في النصف الثاني من المنزل، وهما الزوجان اللذان كانت ماريتا تعيش معهما بعد موت أمها وبعد مغادرة أبيها البلدة. كان السيد ساتكليف رجلا إنجليزيا، عامل تلغراف. وكانت زوجته ألمانية. كانت تصنع القهوة دوما بدلا من الشاي. كانت تصنع حلوى السترودل. كانت عجينة السترودل تتدلى من حواف المنضدة مثل مفرش رقيق. كانت تبدو بالنسبة لماريتا في بعض الأحيان مثل الجلد.
كانت السيدة ساتكليف هي من أقنع أم ماريتا بعدم شنق نفسها.
كانت ماريتا في إجازة من المدرسة ذلك اليوم؛ لأنه كان يوم السبت. استيقظت متأخرة وكان الصمت يخيم على المنزل. كانت تشعر بالخوف دوما من ذلك - المنزل الصامت - وكانت بمجرد أن تفتح الباب بعد الرجوع من المدرسة تنادي قائلة: «ماما! ماما!» لكن لم تكن أمها تجيب عادة، غير أنها كانت موجودة. كانت ماريتا تسمع في ارتياح صوت صلصلة شبكة الموقد أو الصوت الرتيب لضربات المكواة.
في ذلك الصباح، لم تسمع أي شيء. نزلت إلى الطابق السفلي، وأخذت شريحة من الخبز، وأضافت عليها الزبد والعسل الأسود، وطوتها وأكلتها. فتحت باب القبو ونادت على أمها. ذهبت إلى الغرفة الأمامية وأطلت عبر النافذة، خلال نباتات السرخس. رأت أختها الصغيرة، بيرل، وبعض أطفال الجيران الآخرين يتدحرجون على المساحة المغطاة بالحشائش المفضية إلى الممشى الجانبي، ثم ينهضون ويتدافعون إلى أعلى نقطة ثم يتدحرجون مجددا.
صفحة غير معروفة