وفي النهاية - في النهاية - بعد تألمنا وتطهرنا، كان كل منا يشد على يد الآخر ونضحك، نضحك من هذين الشخصين الجاهلين، نضحك من أنفسنا. نضحك من أحقادنا، شكوانا، تبريراتنا. كنا نتجاوز هذين الشخصين. كنا نعدهما كذابين. كنا نتناول خمرا على العشاء، أو نقرر إقامة حفل.
لم أر أندرو منذ سنوات، ولا أعرف إن كان لا يزال نحيفا، أو تحول شعره إلى الرمادي بالكامل، أو لا يزال يصر على تناول الخس، أو قول الحقيقة، أو إن كان لا يزال مخلصا ومحبطا. •••
قضينا الليل في ويناتشي بواشنطن، حيث لم تكن قد أمطرت لأسابيع. تناولنا العشاء في مطعم مقام حول شجرة؛ ليست شجيرة في حوض، لكن شجرة زيزفون طويلة، ومتينة. في ضوء الصباح الباكر، خرجنا من الوادي المروي، صعودا عبر منحدرات التلال الجافة، الصخرية، شديدة الانحدار التي كان يبدو أنها تفضي إلى مزيد من التلال، وهناك عند القمة كانت توجد هضبة عريضة، يقطعها نهرا سبوكين وكولومبيا. كانت توجد أراض مزروعة بالحبوب ومساحات من الحشائش، ميلا بعد ميل. كانت ثمة طرق مستقيمة هنا، وبلدات زراعية صغيرة بها رافعات حبوب. في حقيقة الأمر، كانت ثمة لافتة تشير إلى أن المقاطعة التي كنا نمر بها، مقاطعة دوجلاس، تحقق ثاني أعلى إنتاج من القمح بين مقاطعات الولايات المتحدة. كانت البلدات تزرع أشجار ظل. على الأقل، كنت أعتقد أنها مزروعة؛ نظرا لعدم وجود أشجار كبيرة بمثل هذا الحجم في الريف.
كنت معجبة بكل هذا بشدة. قلت لأندرو: «لماذا أحب هذه الأماكن بشدة؟ ... هل لأنها ليست مناظر طبيعية؟»
قال أندرو: «إنها تذكرك بوطنك ... نوبة من الحنين الشديد.» لكنه قال ذلك في حنو.
عندما قلنا «وطننا» وكنا نشير إلى أونتاريو، كنا نفكر في مكانين مختلفين جدا. كان منزلي عبارة عن مزرعة ديوك رومية، حيث كان أبي يعيش كأرمل، وعلى الرغم من أنه كان المنزل نفسه الذي كان يعيش فيه مع أمي، الذي كانت قد غطته بورق الحائط، وطلته ونظفته وأثثته، كانت تبدو عليه الآن آثار الإهمال والمناسبات الاجتماعية الصاخبة. كان المنزل يشهد حياة لم تكن أمي لتتوقعها أو توافق عليها. كان العاملون بالمزرعة يقيمون حفلات، هؤلاء الذين يذبحون الديوك الرومية وينظفونها ويعدونها للبيع، وفي بعض الأحيان كان شاب أو اثنان منهم يقيمان هناك بعض الوقت، داعيين أصدقاءهما لحفلات دون ترتيب مسبق. أعتقد أن هذه الحياة أفضل بالنسبة لأبي من وحدته، وأنا لم أكن أعترض عليها، ولم يكن بالتأكيد لدي أي حق في الاعتراض. لم يكن أندرو يحب أن يذهب إلى هناك، وهو ما كان أمرا طبيعيا؛ لأنه لم يكن من النوع الذي يمكن أن يجالس مثل هؤلاء الأشخاص حول مائدة تجهيز الديوك الرومية، وهم يطلقون النكات. كانوا يرهبونه ويزدرونه، وكان يبدو أن أبي، عندما يكونون موجودين، يضطر إلى أن يكون إلى جانبهم. ولم يكن أندرو فقط هو من كان يواجه متاعب. كنت أستطيع تحمل نكاتهم، لكن كان ذلك يحتاج مني بعض الجهد.
كنت أتوق إلى الأيام التي كنت صغيرة فيها، قبل أن نربي الديوك الرومية. كان لدينا أبقار، وكنا نبيع اللبن لمصنع الجبن. لا تساوي مزرعة ديوك رومية في جمالها مزرعة أبقار أو مزرعة أغنام. يمكن أن يلاحظ المرء أن الديوك الرومية ليس أمامها إلا طريق واحد تسلكه وهو أن تصبح ذبائح وشرائح لحم مجمدة. لا تملك الديوك الرومية حياة خاصة بها، مراعي هانئة، مثلما تملك الأبقار، أو بساتين تتخللها الظلال مثل الخنازير. حظائر الديوك الرومية عبارة عن أماكن عريضة، منظمة؛ أكواخ من الصفيح. لا توجد دعائم أو قش أو حظائر مدفأة. وحتى رائحة الروث تبدو أكثر حدة وشناعة من الرائحة المعتادة للروث في الإسطبلات. لا يوجد هناك أي أثر لأكوام القش، والسياجات الخشبية، والطيور المغردة، والزعرور البري المزهر. كانت الديوك الرومية تطلق جميعها في حقل واحد طويل، كانت تلتقط ما به عن آخره. لم تكن الديوك الرومية تبدو هناك مثل طيور عظيمة بل مثل غسيل متطاير.
ذات مرة، بعد وقت قصير من وفاة أمي، وبعد أن تزوجت - في حقيقة الأمر، كنت أعد حقائبي للحاق بأندرو في فانكوفر - ظللت في المنزل وحدي يومين مع أبي. كانت ثمة أمطار شديدة طوال الليل. في ضوء النهار المبكر، رأينا حقل الديوك الرومية غارقا في المياه. على الأقل، كانت الأجزاء الخفيضة منه مغمورة بالمياه؛ كان الحقل يبدو مثل بحيرة بها جزر عديدة. كانت الديوك الرومية مجتمعة معا حول هذه الجزر. الديوك الرومية غبية جدا. (كان أبي يقول: «هل تعرفين الدجاجة؟ هل تعرفين مدى غباء الدجاجة؟ حسنا، تعتبر الدجاجة أينشتاين مقارنة بالديك الرومي.») لكن الديوك الرومية نجحت في التجمع معا على أراض مرتفعة وتجنبت الغرق في المياه. خشينا أن تدفع الديوك بعضها بعضا في الماء، فتختنق، أو تصاب بالبرد فتموت. لم نستطع الانتظار حتى ينصرف الماء. خرجنا في زورق قديم كنا نملكه. جدفت وكان أبي يمسك بالديوك الرومية كبيرة الحجم، المبتلة ويضعها في الزورق، ثم أخذناها إلى الحظيرة. كان المطر لا يزال ينزل وإن كان قليلا. كانت المهمة صعبة وسخيفة وغير مريحة على الإطلاق. كنا نضحك. كنت سعيدة أنني كنت أعمل مع أبي. شعرت بقربي من هذا العمل الشاق المتكرر الهائل، الذي ينهك الجسد فيه في النهاية، ويغرق فيه العقل (على الرغم من أن الروح ربما تظل هائمة أحيانا على نحو مدهش)، وكنت أشعر بالحنين مقدما إلى هذه الحياة وهذا المكان. كنت أعتقد أنه إذا كان بإمكان أندرو أن يراني هناك في المطر، متلبسة، متسخة، أحاول أن أمسك بأرجل الديوك الرومية وأجدف في الوقت نفسه؛ لكان سيرغب في إخراجي من هناك ويجعلني أنسى كل شيء عن الأمر. كانت هذه الحياة البدائية تغضبه. كان التصاقي بهذه الحياة يغضبه. كنت أعتقد أنني ما كان يجب أن أتزوجه. لكن من سواه يمكن أن أتزوج؟ أحد العاملين مع أبي في المزرعة؟
ولم أكن أريد أن أمكث هناك. ربما ينتابني شعور سيئ حيال الرحيل، لكنني كنت سأشعر بما هو أسوأ إذا أرغمني أحد على البقاء هناك.
كانت والدة أندرو تعيش في تورونتو، في مجمع سكني يطل على متنزه موير. عندما كان أندرو وأخته في المنزل، كانت أمه تنام في غرفة المعيشة. كان زوجها، طبيب، قد مات عندما كان الأطفال أصغر من أن يذهبوا إلى المدرسة. تلقت دورة تدريبية في أعمال السكرتارية وباعت المنزل بأسعار فترة الكساد العظيم، وانتقلت إلى هذه الشقة، ونجحت في تربية أبنائها، بمساعدة بعض الأقارب؛ أختها كارولين، وزوج أختها روجر. ذهب أندرو وأخته إلى مدارس خاصة وكانا يذهبان إلى معسكرات في الصيف.
صفحة غير معروفة