وهذا إذا لم تقم عليه الحجة القاطعة بأنهم ليسوا كذلك (واختلف) في مبدأ خلقهم فقيل خلقوا دفعة واحدة ويموتون كذلك بعد فناء الخلق وقيل خلقوا متفاوتين وهو الصحيح للأحاديث الدالة على ذلك والأولى التوقف في فنائهم هل هو دفعة أم لا؟ ولا يجوز أن يوصفوا بأنهم يأكلون أو يشربون أو ينامون قال عبد العزيز رحمه الله تعالى: ومن وصفهم بشيء من ذلك فهو مشرك والمراد بالشرك هنا الشرك الجزئي الذي لا يترتب عليه أحكام المشركين وهو النفاق في العقائد كما مر من بيان اصطلاحهم في ذلك، ووجه نفاقه بما ذكر أن تلك الصفات يختص بها غير الملائكة فمن وصفهم بها أو بشيء منها فقد جعل غير الملائكة ملائكة وهو زعم باطل (قوله حباهم) أي أعطاهم على سبيل اللطف (قوله مولاهم) أي ناصرهم (قوله بالقرب) أي برفع المنزلة وعلو الشأن (قوله واجتباهم) أي اصطفاهم والاصطفاء للملائكة مجمع عليه (والخلف) في عصمتهم ذهب بعض إلى نفيها عنهم مستدلين بقوله تعالى ((قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء))([28]) الآية (قالوا) ففيها من المعاصي أشياء.
(أحدها): الغيبة لأن فيها ذكر مثالب الغير.
(وثانيها): تزكية النفس والجواب عنهما أن الغيبة ذكر مثالب الغير مع من لم يعلمها والتزكية ذكر فضائل النفس مع من لم يعلمها أيضا كذا قال العضد([29]) وفيه أن كر مثالب المؤمن مع من علم ذلك ليس بغيبة وليس كذلك لحديث عائشة في المرأة التي وصفتها مع رسول الله بالقصر([30]) فقال لها اغتبتيها مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى منها ذلك أيضا وللعضد أن يقول إن عائشة رضي الله عنها مبني على ظنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير منها ما رأت مع احتمال أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم ير قصرها أصلا.
(ثالثها): الاعتراض على الله تعالى في فعله والجواب إنها استفسار لا اعتراض أي قول الملائكة طلب لبيان الحكمة لا اعتراض على فعل الصانع.
صفحة ٤٢