محدثا، ولا لكثرة تزاحمه فيكون للحوادث محلا، حي قبل كل حي، وحي بعد كل حي، واجب الحياة لكل حي، وحي لم يرث الحياة من حي، فهو المعبود الحق، والإله المطلق، أحدي الذات، واحدي الصفات ، أزلي اللاهوت، أبدي الملكوت، سرمدي العظمة، والجلال والجبروت، حي قيوم لا يموت، لا تحكيه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تحجبه السواتر، ولا تبلغه النواظر، لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، وجهه حيث توجهت، وطريقه حيث استقمت، لا تجري عليه الحركة والسكون، فكيف يجري عليه ما هو أجراه، لا إله إلا هو الله، فمن وصف الله سبحانه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن عده فقد ثناه، ومن ثناه فقد أبطله، إذ ليس في الأشياء؛ وإلا لكان محدودا، ولا منها؛ وإلا لكان معدودا، فهو بعيد عنها، دان إليها، قائم بها، قيوم عليها، لا يتجزى فيعد، ولا يتكثر فيحد، ما وحده من كيفه، ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا إياه عنى من شبهه، ولا حمده من أشار إليه وتوهمه، الحكم العدل الذي لا يتوهم ولا يتهم، شهدت العقول والنفوس، وشاهدت العيون والمحسوس: أن العالم متغير، وكل متغير جسم، وكل جسم حادث، وكل حادث له محدث، وذلك المحدث هو الخالق المقدر، والبارىء المصور، والجبار المتكبر، لافتقار الأثر إلى المؤثر، فهو الرب القديم، العلي العظيم، الغني الكريم، الجواد الرحيم، الذي صدر العالم عنه وابتدعه، وتعالى عنه، فهو المبتدئ الأول، الذي فاض عن وجود وجود كل موجود، والمبدأ الأول واجب لذاته، والواجب لذاته حي قيوم، والحي القيوم قديم أزلي، والقديم واجب الوجود ودائم الوجود، واحد من جميع الجهات، والواحد الحق يستحيل أن يكون جسما، لأن الجسم يلزمه التركيب والكثرة، وكل مركب له أول، وما له أول محدث، والقيوم الحق مجرد عن كل مادة، منزه عن كل صورة، مقدس عن كل كثرة، مبرأ عن كل وصف، لا يشمله حد أو يبدأ له عد، أو يتناوله رسم، أو يكشفه اسم، لا تحويه الأقطار، ولا تبديه الأفكار، ولا تدركه الأبصار، وكيف تدركه الأبصار وهي خلقه؟ أو كيف تحويه الأقطار وهي صنعه؟ والصنعة على نفسها تدل، وفي مثلها تحل، فسبحانه قيوم حق، لا أول لوجوده، ولا نهاية لملكه وجوده، والعالم كله بالعدم مسبوق، وبالفناء ملحوق، فكلها سوى الحي القيوم محدث ومركب ومفتقر، والحق عز اسمه فرد مجرد، لا كثرة في ذاته وصفاته،
صفحة ١٥