قيل:
يعرفها من كان من جنسها
وسائر الناس لها منكر
أو كما قيل:
لو كنت تعلم كل ما علم الورى
طرا لكنت صديق كل العالم
لكن جهلت فصرت تحسب كل من
يهوى بغير هواك ليس بعالم
حتى أوصلوها بلسان البغضاء، إلى الإخوان من الفقهاء، وهم أهل المذهب المذهب، والمنهاج الذي ليس لهم منهاج، لكن لا يدرك غامض المعقول بالمنقول، فكيف بما وراء العقول، ولا يلزم من معرفة علم واحد الإحاطة بسائر العلوم، وما منا إلا له مقام معلوم، وكل ميسر لما خلق له، ومبتهج بما فضله الله وفض له، ونعم الله السوابغ والسوائغ (التوابع) الشرائع الدوائم الدوائب، الفوائض الفواضل، السائرة إلى عباده، الواصلة إلى بلاده، لا تنقطع ركائبها، ولا تنقشع سحائبها، وباب الفيض مفتوح، وكل من الجواد الكريم ممنوح، وليس وصول المواهب الربانية، والعثور على الأسرار الإلهية، بأب وأم، بل الله يختص برحمته من يشاء، وإن تقطعت من الحاسد الأحشاء، ولما أوردوها لهم بلسان يحرفون الكلم عن مواضعه، لم يلمحوا بالنظر الباطن زواهر جواهرها من أصداف أصدقائها (1)، ولم ينهوا عيون العقول عن زيغها وإصدافها، ولم يتحلوا بها فيتزينوا ولم يصغوا بأسماع العقول إلى استماع إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا (2) بل صدقوهم في الفتنة والريبة، وصادقوهم في استماع النميمة والغيبة، فجعلوا الكذب الشنيع، لسهام التشنيع غرضا، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا (3) فنسبوه- إذ لم يفهموه- إلى قول الغلاة، ولا من أسرار الهداة (4)، فكانوا كما قال أمير المؤمنين علي: لقلنا غير مأمون على الدين، بصرت فيهم بما بصرت كما قيل:
أعادي على ما يوجب الحب للفتى
وأهدأ والأفكار في تجول
صفحة ٢٤