عملاق الفكر الإسلامي سيد قطب
كان مخلصا، وفيا لدينه ووطنه، وكانت حياته جهادا متواصلا في جميع الميادين ، ورسالته رسالة الداعية الذي يخشى أن يخرج من الدنيا قبل أن ينصر دعوته أو ينتصر لها، وهدفه الأول والأخير نصرة الدين، وإعلاء كلمة الله في الأرض!!
في أسرة متوسطة الحال بقرية (موشا) بمحافظة أسيوط بمصر، ولد (سيد قطب) في عام 1906م، ونشأ بين أحضان أسرته، واستطاع والده (إبراهيم) أن يوفر له حياة أحسن حالا من أهل قريته الذين كانوا يعيشون في حياة الفقر والجهل.
دخل (كتاب) القرية، لكنه هجره بعد فترة، والتحق بمدرسة القرية، وتمكن من حفظ القرآن الكريم حفظا جيدا في نهاية الصف الرابع، ويتحدث عن نفسه فيقول:
(لقد قرأت القرآن وأنا طفل صغير، ولا ترقى مداركي إلى آفاق معانيه، ولا يحيط فهمي بجليل أغراضه، ولكن كنت أجد في نفسي شيئا، لقد كان خيالي الساذج الصغير يجسم لي بعض الصور من خلال تعبير القرآن، وإنها لصورة ساذجة ولكنها كانت تشوق نفسي وتلذ حسي، فأظل فترة غير قصيرة أتملاها، وأنا بها فرح، ولها نشيط).
لقد كان سيد قطب في طفولته يستمع إلى آيات القرآن، ولا يستطيع فهم معانيها، لكنه كان يتخيل ويتصور معاني القرآن الكريم، ويشعر بسعادة غامرة، وفرح شديد يملك عليه قلبه، وهذا الخيال الواسع لدى الطفل الصغير أهله لأن يكون كاتبا إسلاميا كبيرا فيما بعد، وتعلق سيد قطب بالقراءة، وأحبها حبا كبيرا، فأخذ يقرأ كل ما يقع تحت يديه من الكتب، حتى إن نساء القرية وشبابها كانوا يتهافتون على الطفل الصغير، ويطلبون منه أن يحكي لهم ويقص عليهم ما قرأه في هذه الكتب.
وأصبح سيد قطب شابا فتيا، رقيق المشاعر، يشعر بآلام الضعفاء والمظلومين، ويملك خيالا خصبا، وظهرت على الفتى سيد قطب وطنية مبكرة، فعند قيام الثورة المصرية سنة 1919م بزعامة (سعد زغلول) انطلق يكتب ويخطب وهو في الثالثة عشر من عمره في المساجد والنوادي، ويحرض الناس ضد الاستعمار الإنجليزي، وانتقل إلى القاهرة؛ حيث التحق ب(مدرسة دار العلوم) وأقام سيد قطب بعد موت والديه في القاهرة مع أشقائه (محمد وأمينة وحميدة) وأصبح مسئولا عن رعاية هذه الأسرة الصغيرة باعتباره الأخ الأكبر.
وتخرج سيد قطب في (دار العلوم) سنة (1353ه، 1934م) فمارس كتابة الأدب والشعر في عدد من الصحف والمجلات ك(الأهرام) و(الرسالة) و(الأسبوع) و(الشرق الجديد) و(العالم الغربي) وعمل في وزارة المعارف، ثم مراقبا فنيا للوزارة، وفي سنة 1948م ذهب في بعثة دراسية من وزارة التربية إلى الولايات المتحدة لدراسة نظم التربية وبرامج التعليم فيها، وبعد عودته سنة 1951م أكد أنه لا يجد خيرا من المنهج الإسلامي كأساس للتربية في مصر، وانتقد البرامج المصرية وكان يراها من وضع الإنجليز، وكان ذلك قبل أن يتعرف على جماعة الإخوان المسلمين، وبعد رجوعه من أمريكا انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، ورأس قسم نشر الدعوة وتولى تحرير جريدتهم وتعرض للسجن فترات طويلة.
وفي فترة سجنه وداخل جدران السجون، اتجه سيد إلى القرآن ينظر في معانيه، ويقلب نظره بين آياته، وألف تفسيره الذي يقول في مقدمته: لقد عشت أسمع الله سبحانه يتحدث إلي بهذا القرآن أنا العبد القليل الصغير.. أي تكريم للإنسان هذا التكريم العلوي الجليل؟! أي رفعة للعمر يرفعها هذا التنزيل؟! أي مقام كريم يتفضل به على الإنسان خالقه الكريم؟!
وفي عام 1965 قدم سيد قطب للمحاكمة ظلما وعدوانا ، وحكم عليه بالإعدام، فقال لما وضع على حبل المشنقة :رب إني مغلوب فانتصر " ومن أشهر مؤلفاته:
- في ظلال القرآن.
- خصائص التصور الإسلامي.
- مشاهد القيامة في القرآن الكريم.
- العدالة الاجتماعية في الإسلام.
- قصص الأنبياء للأطفال بالمشاركة مع الأديب كامل كيلاني.
- الإسلام ومشكلات الحضارة.
- معالم في الطريق.
- المستقبل لهذا الدين.. وغير ذلك، وقد اهتم به كثير من الكتاب والباحثين، فكتبوا في سيرته بحوثا وكتبا.
يقول رحمه الله : في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 263)
{إن الذين يحاربون حقيقة الإيمان أن تستقر في القلوب؛ ويحاربون منهج الإيمان أن يستقر في الحياة؛ ويحاربون شريعة الإيمان أن تستقر في المجتمع . .
إنما هم أعدى أعداء البشرية وأظلم الظالمين لها . ومن واجب البشرية - لو رشدت - أن تطاردهم حتى يصبحوا عاجزين عن هذا الظلم الذي يزاولونه؛ وأن ترصد لحربهم كل ما تملك من الأنفس والأموال . .
وهذا هو واجب الجماعة المسلمة الذي يندبها إليه ربها ويدعوها من أجله بصفتها تلك؛ ويناديها ذلك النداء الموحي العميق . . }
صفحة ٤٠