بنى بناء فخيما جدا، صرف عليه مبلغ أربعين ألف جنيه، أعده للبنات الفقيرات يقمن فيه ويتعلمن الصنائع من كل الأنواع، من ذلك كيفية تربية الأولاد، وإدارة المنازل والطبخ ومعالجة المرضى، والبناء المذكور في أهم مواقع العاصمة، لا تقل قيمته عن مائة ألف جنيه الآن.
الخواجة فاليانوس:
بنى المكتبة العمومية صرف عليها وعلى الكتب مبلغ أربعين ألف جنيه.
الخواجات زبا وهم أشقاء:
بنوا دارا للعلوم والعمليات أو هي المهندسخانة بجميع فروعها، صرفوا عليها مبلغ أربعين ألف جنيه، ثم تركوا مبلغ مائة ألف جنيه لتصرف في الأعمال الخيرية والمنافع العمومية.
فهذه الأرقام إذا جمعت زادت عن مليون جنيه، وهي أرقام رسمية مأخوذة من سجلات الحكومة، تبرع بها الكرام من تلقاء أنفسهم حبا بوطنهم وإخوانهم في الجنسية، مع أنهم كانوا فقراء الأصل لا يملكون شيئا على ما علمت، ولكن لما وفقهم الله تعالى في جدهم واجتهادهم لإحراز ثروة عملوا الخيرات والمبرات تخلد ذكر اسمهم في التاريخ.
ولطالما قرأنا في الجرائد اليومية بمصر أن فلانا وفلانا من الأروام بالقطر المصري - حتى وفي السودان - تبرعوا بالمال الكثير لوطنهم، فما تركت أثينا لأعود على مصر إلا وأنا أفكر بما جادت به نفوس هؤلاء المحسنين.
البلقان
في سنة 1908 عزمت على السياحة في ممالك رومانيا والسرب والبلغار؛ لأن هذه البلاد غير مطروقة كثيرا منا - نحن الشرقيين - بل اعتدنا أن نذهب إلى أوروبا، مع أن هذه البلاد أوروبية من كل الوجوه في علومها ومتاحفها ومعالمها ومتنزهاتها، ولها تاريخ جليل مفيد مشحون بكثير من عبر الدهر وحوادثه يرتقي إلى عدة قرون. وبناء عليه ركبت الباخرة من الإسكندرية، وهي باخرة رومانية استعارت اسمها (داسيا) من اسم رومانيا القديم، فقامت بنا يوم الجمعة الموافق 3 يوليو سنة 1908 عند الساعة الرابعة بعد الظهر، وكان الهواء جميلا. وفي الغد ظهرت لنا جزائر كارباتوس وكاسوس على شمال الباخرة، ثم جزيرة رودس على اليمين، وقد بقيت خمس ساعات أو أكثر ظاهرة للعيان والباخرة تسير، ثم ظهرت بعدها جزائر أخرى صخرية راسخة هنا وهناك كالجبال في وسط البحر، بعضها معمور بالسكان وبعضها لا يفيد بشيء. وعلى هذه الصورة لم يكن البر يتوارى عن عيان المسافرين مدة السفر، بل ظل يؤنسهم ويمتع ببهجته النواظر والخواطر.
وفي اليوم الثالث من السفر - وهو الخامس من الشهر المذكور - لاحت لنا أزمير، ولكننا قبلما نبلغها صدرت الأوامر لباخرتنا بقضاء مدة الحجر الصحي القانونية في جزيرة كلاموزين (فورلا) المعدة لهذه الغاية، فكان الحجر مضروبا بسبب بعض وفيات طاعونية حدثت في الإسكندرية قبل قيامنا منها بيومين، فتوجهنا إلى الجزيرة المذكورة، ووجدنا ميناءها أمينة طبيعية، تبلغ في الطول ثلاثة كيلومترات، وفي العرض نحو كيلومترين، تكفي لخمسين بارجة حربية، وقد أحدقت الجبال بها إلا من جهة واحدة، فكأن الطبيعة أرادت أن تغنيها بمواهبها عن أيدي البشر. ولهذا الميناء نظائر عديدة في سلطتنا العثمانية، مثل مرسى أزمير وسلانيك وغيرهما، مع أن الممالك الأخرى أنفقت ملايين من الجنيهات لإعداد مواني ترسو فيها المراكب آمنة سطوة البحر، ومنها مدينة الإسكندرية، فقد أنفق على مينائها مئات ألوف من الجنيهات.
صفحة غير معروفة