ما يبلغ الأعداء من جاهل
ما يبلغ الجاهل من نفسه
فقد كان الظفر له محققا لولا استسلامه للغرور والحمق واستهانته بأمر طاهر، ولم يكن يرتاب أحد في انتصاره، ولكن للقدر تصاريف عجيبة.
ألا ترى إلى «أم جعفر» تعتقد أن أمر المأمون قد انتهى وتتمثل هزيمته كأنها أمر واقع لا سبيل إلى تلافيه، فتشفق من مصيره، وتوصي «علي بن عيسى» الذي عقد له الأمين على خمسين ألف فارس وراجل من أهل بغداد لمحاربة المأمون فتقول له: «يا علي، إن أمير المؤمنين - وإن كان ولدي - إليه تناهت شفقتي وعليه تكامل حذري، فإني على عبد الله منعطفة مشفقة لما يحدث عليه من مكروه وأذى، وإنما ابني ملك نافس أخاه في سلطان.»
ثم تقول: «فاعرف لعبد الله حق والده وإخوته ولا تجبهه بالكلام - فإنك لست نظيره - ولا تقتسره اقتسار العبيد، ولا توهنه بقيد ولا غل ولا تمنع منه جارية ولا خادم. ولا تعنف عليه في السير ولا تساوه في المسير. ولا تركب قبله ولا تستقل على دابتك حتى تأخذ بركابه وإن شتمك فاحتمل منه، وإن سفه عليك فلا تراده.»
قالوا: ثم دفعت إليه قيدا من فضة وقالت: «إن صار في يدك فقيده بهذا القيد.» فقال لها: «سأقبل أمرك وأعمل في ذلك بطاعتك.»
وهكذا يذهب صاحبنا وهو يحسب أنه قد أسر طاهرا أو كاد، ويبدي من صنوف الغرور ما لا قبل لإنسان بوصفه.
فقد كان يقال له: إن طاهرا مقيم بالري يعرض أصحابه ويرم آلته.
فيضحك ثم يقول: «وما طاهر؟ فوالله ما هو إلا شوكة من أغصاني أو شرارة من ناري، وما مثل طاهر يتولى على الجيوش ويلقى الحروب؟»
ثم يلتفت إلى أصحابه قائلا: «والله ما بينكم وبين أن ينقصف انقصاف الشجر من الريح العاصف إلا أن يبلغه عبورنا «عقبة همذان»، فإن السخال لا تقوى على النطاح، والثعالب لا صبر لها على لقاء الأسد، فإن يقم طاهر بموضعه يكن أول معرض لظباة السيوف وأعنة الرماح.» •••
صفحة غير معروفة