جاءت ليلة الأربعاء (3 شوال سنة 247ه) وكان المتوكل يشرب مع الفتح
2
في قصره المعروف بالجعفري، ومعه جماعة من الندماء والمغنين.
قالوا: ولم يكن أمير المؤمنين في يوم من الأيام أسر منه في ذلك اليوم، وقد أخذ مجلسه،
3
ودعا بالندماء والمغنين، وأخذ في الشراب واللهو ولهج يقول: «أنا والله مفارقكم عن قليل.» (4) كيف صرع
بعد العتمة بساعة أغلقت الأبواب كلها، إلا باب الماء - الذي دخل منه القتلة - وكان المتوكل حينئذ ثملا!
وجاء غلام تركي اسمه «باغر» فضرب المتوكل ضربة، قطع بها حبل عاتقه! (5) وفاء صديقين
وليس يسعنا أن نمر بهذا الموضوع دون أن يطيف بخاطرنا ثلاثة أمور: إخلاص الفتح بن خاقان في هذه الساعة الحرجة. ووفاء البحتري له وفاء أذهله عن كل احتياط، وكاد يكون سببا في إهلاكه. وعقوق ابنه المنتصر، الذي اشترك في قتل أبيه؛ فأما الفتح بن خاقان فإنه أسرع إلى سيده حين رآه مضرجا بدمائه، ورمى بنفسه عليه، وقال: «ويلكم تقتلون أمير المؤمنين؟» فبعجوه بسيوفهم فقتلوه!
وأما البحتري، فرثاه بقصيدته الخالدة التي نعدها من أروع ما قرأناه في الرثاء، ونرى فيها مثلا من أعلى أمثلة الإخلاص والوفاء وقد ختمنا بها هذا الفصل، وأما المنتصر، فإن مدته في الخلافة لم تطل. ولم تزد على ستة أشهر.
صفحة غير معروفة