287

مصارع العشاق

الناشر

دار صادر

مكان النشر

بيروت

ومغن محسن يسايره فيها، فلما بلغ هذا المبلغ انقطع أسلم عن جميع مجالس الطلب، ولزم بيته، والجلوس على بابه.
وكان أحمد بن كليب لا شغل له إلا المرور على باب أسلم سائرًا ومقبلًا نهاره كله، فامتنع أسلم عن الجلوس على باب داره نهارًا، فإذا صلى المغرب، واختلط الظلام خرج مستروحًا، وجلس على باب داره، فعيل صبر أحمد بن كليب فتحيل في بعض الليالي ولبس جبة صوف من جباب أهل البادية، واعتم بمثل عمائمهم، وأخذ بإحدى يديه دجاجًا، وبالأخرى قفصًا فيه بيض، وتحين جلوس أسلم عند اختلاط الظلام على بابه، فتقدم إليه، وقبل يديه وقال: يا مولا! تأمر من يقبض هذا؟ فقال له أسلم: ومن أمن؟ فقال: أجيرك في الضيعة الفلانية، وقد كان يعرف أسماء ضياعه والعاملين فيها، فأمر أسلك غلمانه ذلك منه على عادتهم في قبول هدايا العاملين في الضياع عند ورودهم ثم جعل يسأله عن الضيعة، فلما جاوبه أنكر الكلام، فتأمله فعرفه، فقال له: يا أخي! وإلى هنا بلغت بنفسك، وإلى ها هنا تتبعني؟ أما كفاك انقطاعي عن مجالس الطلب، وعن الخروج جملةً وعن القعود على بابي نهارًا، حتى قطعت عني جميع ما لي فيه راحة، فقد صرت من سجنك في حيرة، والله، لا فارقت هذه الليلة قعر منزلي، ولا جلست بعدها على بابي لا ليلًا ولا نهارًا. ثم قال، فانصرف أحمد بن كليب حزينًا كئيبًا.
قال محمد بن الحسن: واتصل ذلك بنان فقلنا لأحمد بن كليب: قد خسرت دجاجك وبيضك، فقال: هات كل ليلة قبلة يده، وأخسر أضعاف ذلك.
قال: فلما يئس من رؤيته البتة نهكته العلة، وأضجعه المرض.
قال محمد بن الحسن: فأخبرني شيخنا أبو عبد الله محمد بن خطاب قال: فعدته فوجدته بأسوأ حال، فقلت له: ولم لا تتداوى؟ فقال: دوائي

1 / 298