وهذا بين ظاهر، وبه يتبين: أن أهل الملل أسد وأصوب قولا، وهم في الصواب على قدر موافقتهم للرسل، وأن من أخطأ منهم كان خطأه دون خطأ مقابليه من المتفلسفة.
فإن متكلمي أهل الملل تنازعوا في قيام الحوادث به، ولم يقل أحد منهم: يمكن (حوادث لا أول لها)، ولا تقوم به الحوادث. كما يقوله هؤلاء الدهرية الذين يقولون: يمكن (حوادث لا أول لها)، وهو مع هذا لا تقوم به الحوادث. فإن هذا من أفسد الأقوال.
فإنه إذا أمكن (حوادث لا أول لها): لم تكن مباينة للقديم؛ فيجوز أن تقوم بالقديم سبحانه وتعالى (حوادث لا أول لها)، إذ كانت ممكنة، وهي لا تستلزم حدوث ما قامت به.
ولا يرد على ذلك إلا أن يقال: يمتنع قيام / (¬1) المعاني به.
لكن هذا من فاسد الأقوال، وليس للفلاسفة على نفيه دليل أصلا، بل كلامهم في نفي الصفات من أفسد الكلام. كما قد بسط في غير هذا الموضع.
وكذلك كلامهم في نفي كونه جسما.
ولهذا بين حذاق المسلمين كأبي حامد وغيره: أنهم عاجزون عن إقامة الدليل على نفي كونه جسما، وغير ذلك من المسائل التي يقولها مناظروهم من أهل الكلام، وأن نفي ذلك إنما يمكن على أصل المتكلم الذي يستدل على حدوث الأجسام بحدوث الأعراض والحركات.
وهذه الطريقة باطلة على أصل المتفلسفة، بل وعلى أصل غيره من أهل الملل.
وأما أهل الملل: فمنهم من يمنع قيام الحوادث به وتسلسلها.
صفحة ١٣٦