قال: فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال: إن واجب الوجود عام الفيض؛ إلا أن صدور الأثر عنه يتوقف على استعداد القوابل، وحدوث هذه الاستعدادات المختلفة في القوابل يتوقف على الحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية؛ فكل حادث منها مسبوق بآخر لا إلى أول. فلهذا السبب حدث التغير في هذا العالم؟
الجواب: أنا نقول: العرض الحادث المعين إذا حدث في العالم: فإما أن يفتقر في حدوثه إلى سبب، أو لا يفتقر. فإن لم يفتقر؛ فقد حدث الممكن لا عن سبب. وهذا باطل بالاتفاق.
وإن افتقر إلى سبب؛ فذلك السبب إن كان حادثا؛ كان الكلام في كيفية حدوثه كما في الأول؛ فيفضي إلى وجود أسباب ومسببات لا نهاية لها دفعة واحدة؛ وهو محال.
وإن كان السبب قديما؛ فقد أسندتم إلى المؤثر القديم أثرا محدثا.
وإذا عقلتم ذلك؛ فلم لا يجوز في كل العالم مثل ذلك أيضا؟ (¬1)
[تعليق شيخ الإسلام]
قلت: فجواب الرازي هو المعارضة بالحوادث.
ولا ريب أن المعارضة تدل على فساد دليلهم على قدم العالم؛ لكن لا يتبين وجه فساده من فساد أي المقدمات ومحله، ولا يتضمن أيضا القول بموجب ما في الدليل من المقدمات الصحيحة.
فإن المقدمات إذا كانت صادقة، والتأليف صحيحا امتنع أن يكون الدليل باطلا، وإذا كان منقوضا معارضا بمثله، واستلزم ذلك خلاف الحس؛ علم أنه باطل من حيث الجملة، وأنه لا يدل على المطلوب.
صفحة ٨٤