[تتمة كلام الغزالي]
ثم قال أبو حامد (¬1): فإن قيل: فبم تنكرون على من يترك دعوى الضرورة ويدل عليه من وجه آخر: وهو أن الأوقات متساوية في جواز تعلق الإرادة بها. فما الذي ميز وقتا معينا عما قبله وعما بعده وليس محالا أن يكون التقدم والتأخر مرادا؟
بل يجري (¬2) في البياض والسواد والحركة والسكون. فإنكم تقولون: يحدث البياض بالإرادة القديمة والمحل قابل للسواد قبوله للبياض، فلم تعلقت الإرادة القديمة بالبياض دون السواد؟ وما الذي يميز أحد المثلين (¬3) عن الآخر في تعلق الإرادة به؟ ونحن نعلم بالضرورة أن الشيء لا يتميز عن مثله إلا بمخصص، ولو جاز ذلك لجاز أن يحدث العالم وهو ممكن الوجود كما أنه ممكن العدم، ويتخصص جانب الوجود المماثل لجانب العدم في الإمكان بغير مخصص.
وإن قلتم: الإرادة خصصت! فالسؤال على اختصاص الإرادة وأنها لم اختصت؟ / (¬4).
فإن قلتم: القديم لا يقال له: لم؟ فليكن العالم قديما ولا يطلب صانعه ولا سببه، لأن القديم لا يقال فيه: لم. فإنه إن جاز تخصيص القديم بالاتفاق بأحد الممكنين؛ فغاية المستبعد أن يقال: العالم مخصوص بهيئات مخصوصة كان يجوز أن يكون على هيئة أخرى بدلا عنها.
صفحة ٨١