وقد يقال: بل دعوى الضرورة في مسألة مساواة الأقل الأكثر، وخلو العدد الذي له إنقاص عن الشفع والوتر؛ يفسد قولهم في قدم الأفلاك، وذلك يدل على حدوث العالم، وهو المقصود.
قيل: هذا يدل على حدوث الأفلاك وهو حق، وقولهم بقدم الأفلاك باطل؛ لكن من أين يستلزم ذلك حدوث الحوادث بإرادة قديمة بلا حوادث تحدث؟ وقد يكون مذهب الخصم باطلا؛ ولكن الحجة عليه ضعيفة، أو الجواب عن حجته ضعيف.
والمقصود هنا: تحرير الجواب عن حجتهم؛ وإلا فأدلة حدوث العالم متعددة، وبيان تناقض أقوالهم متعدد.
ثم يقولون: نحن إنما ادعينا الضرورة: في أن الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح تام، وأنه يجب وجوده عند المرجح التام.
وأنتم لا تنازعون في هذا في غير محل النزاع؛ بل توافقون على أنه معلوم بالاضطرار، وإنما استثنيتم محل النزاع؛ فادعيتم: أن الإرادة القديمة مع القدرة القديمة موجب تام، وأن موجبها يتخلف عنها.
كما ادعى البصريون من المعتزلة: أن المحدث يفتقر إلى إرادة يحدث بها، وأن الأعراض لا تقوم بنفسها؛ وإنما تقوم بمحل اللا في الإرادة الربانية؛ فإنهم ادعوا حدوثها بلا إرادة، وقيام الإرادة لا في محل، واضطرهم إلى هذا القول ما اضطركم إلى إثبات إرادة قديمة مع قدرة تامة يتخلف عنها مرادها، ثم يقع من غير حدوث شيء أصلا.
فإن كان قول المعتزلة باطلا؛ فقولكم نظيره، وإن كان قولكم الذي خصصتم به الإرادة حقا؛ فقولهم الذي خصوا به الإرادة نظيره.
وإذا كان ما ذكره الناس: من ادعاء العلم الضروري بفساد قول هؤلاء المعتزلة حقا؛ فما ذكره الناس من ادعاء العلم الضروري بفساد قولكم حقا.
صفحة ٧٩