ثم يقال: نحن نشهد بالحس حدوث الصور من الحيوان والنبات والمعدن، ونشهد أن هذه الصور الحادثة كانت بعد أن لم تكن. وإن كانت خلقت من غيرها؛ فليست هي ذلك الغير ولا بعضه، ولكن ذاك استحال وعدمت صورته الأولى، وأحدث الله صورة غير تلك؛ فهذه الصورة موجودة بعد العدم حادثة بعد أن لم تكن، وهذا مشهود؛ فإن هذا اللحم وهذه الثمرة لم يكن موجودا أصلا بوجه من الوجوه؛ فوجد بعد عدمه، وتلك الصور الموجودة: كالنبات الذي رعته الشاة، والمني الذي استحال ولدا؛ عدمت بعد وجودها. فهذا وجود بعد عدم، وعدم بعد وجود مشهود.
[الحجة الكبرى للمتفلسفة على قدم العالم، والرد عليها]
وأما الحجة الكبرى لهم على القدم: وهو أن العلة التامة تستلزم معلولها؛ فلا يجوز تأخر العالم عن علته التامة.
فيقال لهم: نحن نشهد هذه الحوادث التي تحدث من الحيوان والنبات والمعدن؛ فالموجب لحدوثها: إن كان علة تامة قديمة؛ بطل قولكم: إن قدم العلة يوجب قدم المعلول. وإن كان الموجب لها مع العلة القديمة حدوث أمر من الأمور: إما حركة الفلك أو غيرها؛ فذلك الحادث إن حدث عن العلة التامة القديمة بطل قولكم. وإن توقف على حدوث آخر؛ فالقول فيه كالقول في الأول. وهذه الحوادث سواء كانت متناهية أو غير متناهية تستلزم: إما صدورها عن علة تامة قديمة، وإما صدورها عن غير فاعل بالكلية. والثاني أظهر بطلانا من الأول، وهو باطل بالعقل الصريح، وبالاتفاق. والأول يستلزم صدور الحوادث عن علة تامة قديمة؛ وذلك يبطل أصل حجتهم.
ومعلوم أن حقيقة قولهم: إن الحوادث المتعاقبة التي لا تتناهى: صادرة عن علة تامة قديمة. ثم يجعلون ذلك هو حركة الفلك التاسع.
صفحة ٦٧