فيقال لهؤلاء: إن كان صدور الحوادث بعد أن لم تكن عن ذات بدون حدوث شيء منها باطلا؛ فصدور الحوادث كلها بدون صدور حدوث أمر منها أبطل وأبطل.
فإنا إذا عرضنا على العقل الصريح ذاتا لم يحدث فيها شيء أصلا، والحوادث تصدر عنها دائما، أو تصدر عنها في بعض الأوقات: كان الأول أبعد في العقل من الثاني. فإن ذاك تعطيل لها عن الفعل دائما مع صدور المحدثات عنها وتكذيب العقل به أولى -لا سيما- والصادر عنه أمور مختلفة، وفيها حوادث مختلفة، والمصدر عندهم واحد بسيط لا يقوم به فعل ولا نعت، وسواء قالوا: إنه صدرت المختلفات والحوادث بتوسط (العقل الأول) كما تقوله طائفة منهم، أو بدون توسطه كما تقوله طائفة منهم.
فإن (العقل الأول) عند من يقول به لازم له لا يقوم به فعل ولا يحدث فيه شيء.
والقول في صدور المختلفات الحادثة عنه كالقول في صدورها عن الأول.
فإذا قالوا: العالم قديم؛ لزمهم أن يكون صدر عن موجب تام، والموجب التام يستلزم أن لا يتخلف عنه شيء من موجبه ومقتضاه، وقد تخلف عنه موجبه ومقتضاه.
وهم قد جعلوا الواجب بداية بسيطا مجردا لا نعت له ولا فعل، وهذا مع حدوث الحوادث عنه.
وهذا قول بحدوث جميع الحوادث بلا سبب حادث من الفاعل.
صفحة ١٧٠