وقد ثبت: أنه كان قبل خلق السماوات والأرض مخلوق آخر: وهو العرش وغيره، بل قدر مقادير / (¬1) الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
وقد تنازع السلف في أول المخلوقات: فقالت طائفة: هو القلم.
وقال الأكثرون: بل العرش خلق قبل القلم.
وأما القلم أول من خلق من هذا العالم الذي قدرت مقاديره قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. وقد بسطناها في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا: أن ما ثبت بالقرآن أو السنة أو الإجماع فعلى المسلمين أن يقروا به ويصدقوه.
وأما ما تنازع فيه المسلمون؛ فإن علم بعقل صريح أو سمع صحيح: صحة أحد القولين كان هو الصواب، ولكن لا يلزم أن يكون قول الآخر في الخطأ، مثل الأقوال التي علم مخالفتها للنصوص المتواترة والإجماع المتيقن.
فإذا كانت الفلاسفة ونحوهم قد قالوا قولا يعلم أنه مخالف للنصوص المتواترة وإجماع المؤمنين؛ وجب رده وإبطاله، وإذا كان من جملة طرق رده: أقوال لبعض طوائف المسلمين لم تعلم مخالفتها للنصوص المتواترة والإجماع كمخالفة هذا؛ فردت أقوالهم بمثل قول هذا كان سائغا.
ثم إن كان ذلك القول حقا: كان التزامه حسنا، والرد به حقا.
وإن كان خطأ: كان الخطأ فيه أخف من الخطأ في أقوالهم، وكان التناقض في أقوالهم أعظم من التناقض فيه.
صفحة ١٥٣