وفي سنة 1905م عقد المؤتمر السابع برياسة ماكس نوردو. وفي سنة 1911م استأنفت الجمعية الاستعمارية لفلسطين. وعقد المؤتمر العاشر في سنة 1913م والمؤتمر الحادي عشر في سنة 1914م، وحالت الحرب دون عقد المؤتمر الثاني عشر في 1915م.
ومما يذكر أن هولنكسورث الإنجليزي في سنة 1852م قد حض على إقامة حكومة يهودية لحماية طريق الهند، وأن السير موسى مونتفيوري طلب من محمد علي إسكان اليهود في فلسطين، وأن كاليشر في كتاب له قد تحدث عن استملاك أراضي فلسطين، وألفت الجمعية الأولى الاستعمارية في فرانكفورت في سنة 1861م وأسست المستعمرة اليهودية الأولى في دار عيون قارة في سنة 1874م.
لم يحاول اليهود مطلقا إخفاء ما يعنونه، فحين تحدث هرزل عن «الوطن القومي» كان يعني دولة ذات سيادة. أما بنستر فقد تحدث عن «الوطن» معرفا إياه «بأمة بين الأمم». وعلى هذا فإن «الحكم الثنائي» في فلسطين بين اليهود والعرب لم يكن في يوم ما هدف الحركة الصهيونية الحقيقية.
كتب لينارد شتاين يقول: «حين تحدث هرزل عن امتياز يمنحه السلطان عبد الحميد لليهود في فلسطين لم يكن قد دار بخلده كما هو ظاهر احتمال طرد العرب من فلسطين لإسكان اليهود، بل إنه لم يكد يشعر إذا حكمنا بما جاء في خطبه في المؤتمرات الصهيونية بأن في فلسطين سكانا، كما أنه - بسلامة طوية - حذف العرب تماما من حسابه.»
جاءت الحرب والصهيونية تستعد لتنفيذ برنامج استعماري واسع النطاق في فلسطين. وكان من أهم أركان هذا البرنامج إنشاء جامعة يهودية في القدس، وقد استعد البارون إدموند دي روتشيلد لشراء مساحات شاسعة لإقامة مستعمرات يهودية جديدة ... ولكن الحرب قضت على هذه الآمال كلها، وشطرت الحركة الصهيونية شطرين، فبينما كانت على أشدها في روسيا كان مركزها العصبي في برلين. وكان رصيدها المالي في البنوك البريطانية. وحاول الصهيونيون في مبدأ الأمر المحافظة على وحدة حركتهم الدولية؛ فافتتحوا لهم مركزا في كوبنهاجن بالدانمرك - وكانت محايدة - ولكن هذا لم يؤد إلى أية نتيجة؛ فاضطروا إلى التخلي عنه. وكان دخول تركيا الحرب عاملا مهما في هذا التنحي. فقد أعلنت تركيا الحرب على الحلفاء، وأصبحت معرضة لخطر الهزيمة، وبالتالي لفقدان جميع ممتلكاتها، ومنها فلسطين.
وعندما اختار زعماء الصهيونية إنجلترا ميدانا لنشاطهم، كان يدفعهم إلى ذلك الاختيار نجاح إنجلترا المدهش في سياستها الاستعمارية، وسمعتها الحسنة كدولة حرة، وكرمها مع اليهود.
واختاروا من الروس مسيو تشلينو من موسكو ومسيو ناحوم سوكولوف من فرصوفيا. وقد انضم إليهما في إنجلترا ثالث هو الدكتور حاييم وايزمان الذي لم يكن إنجليزي المولد، بل هو بولوني من جرودنو جاء إلى إنجلترا في سن الأربعين بعد أن عاش فترة من الزمن في سويسرا، وفيها عرف تروتسكي، وفي إنجلترا عمل كمحاضر للكيمياء في جامعة مانشستر، واكتسب الجنسية البريطانية، ثم بزغت شخصيته كخطيب، حتى إن مستر هورس صامويل كتب عنه يقول: إنه كان يخاطب كتيبة من الشبان اليهود المتطوعين في الجيش البريطاني في خلال سني الحرب الماضية، وكان المستمعون كلهم في قبضة يده، وعلى استعداد في أية لحظة للقفز إلى جيبه.
وقد شوهد خلال إحدى مآدب العشاء التي أقيمت في منزل اللادي آستور يجذب اللورد بلفور من يده ويجلسان وحدهما على إحدى الأرائك فترة تزيد على الساعة دون أن يشعر الرجلان بمن حولهما. ولقد كانت مثل هذه الساعات والجلسات هي التي أدت إلى وضع حجر أساسي للصهيونية السياسية في إنجلترا. إن الرجلين قد تعارفا قبل ذلك بإحدى عشرة سنة عندما تقدم بلفور «وكان يعرف باسم مستر بلفور» إلى الانتخابات عن دائرة مانشستر - مركز اليهود في الجزر البريطانية - وكان مدير حملته الانتخابية يهوديا يدعى مستر دريفوس، فانتهز الفرصة وسأله أن يدعو إليه من يستطيع إخباره بالأسباب التي حدت بالصهيون إلى رفض العرض البريطاني سنة 1903م بإسكان اليهود المهاجرين في شرق أفريقيا، وهو العرض الذي اقترح وقت أن كان بلفور رئيسا للوزارة البريطانية، فبعث دريفوس إليه بوايزمان.
وفي كتاب مسز داجديل - ابنة أخت اللورد بلفور - عن تاريخ حياته، وصفت المؤلفة هذه المقابلة فقالت: إن الانسجام التام بدأ يظهر منذ اللحظة الأولى، بين الرجلين المختلفي المزاج والظروف الاختلاف كله، ولم يكن الدكتور وايزمان قد ملك ناصية الإنجليزية السلسة الفياضة، ولكنه مع ذلك كسب السياسي الإنجليزي بفضل سرعة خاطره وقوة بديهته. ويتحدث وايزمان عن نفسه قائلا: بدأ العرق يتصبب على جبيني وكأنه قطرات الدم وأنا أحاول إيضاح ما أعنيه بإنجليزيتي العرجاء. وفي النهاية بذلت جهدا أخيرا وقلت: «يا مستر بلفور، لو عرضت عليك باريس بدلا من لندن أتقبلها؟! أتقبل باريس بدلا من لندن؟!» ... فحدق في مدهوشا ثم قال: «ولكن لندن بلدي.» فسارعت إلى القول: «إن بيت المقدس كانت بلدنا عندما كانت لندن مستنقعا.» وكان جوابه: «هذا صحيح.» وكتبت مسز داجديل عن نتيجة هذه المقابلة التي قالت: إن بلفور حدثها عنها بنفسه بعد سنوات فقال: «لقد أدركت من محادثتي هذه مع وايزمان أن الوطنية اليهودية فريدة في نوعها.»
أما المقابلة الثانية بين السياسي الإنجليزي والداهية الصهيوني فقد حدثت بعدئذ بثماني سنوات في شهر ديسمبر من سنة 1914م وبعد أن مرت على بدء الحرب أربعة شهور كاملة، وفي هذه السنين الثماني كان وايزمان قد اشتهر في مانشستر، وعرف مستر س. ب. سكوت - رئيس تحرير جريدة مانشستر جارديان - الذي ما لبث أن تعلق بالقضية الصهيونية حتى خصص أعمدة جريدته للدعاية لها والدفاع عنها.
صفحة غير معروفة