في 13 أغسطس سنة 1945م صدر بيان سياسي عن المؤتمر الصهيوني العالمي اشتمل على رفض الكتاب الأبيض البريطاني الذي وضع عن فلسطين في 1939م، وطلب إجابة مطلب الوكالة اليهودية المقدم إلى الحكومة البريطانية في شهر مايو من هذا العام. وهو ينص على تخويل الوكالة سلطة إحضار العدد اللازم من اليهود للاستقرار في فلسطين والنهوض بالبلاد. وقد صدر هذا البيان بعد موافقة الأعضاء الموفدين إلى هذا المؤتمر. وهو يقول: «إن الكتاب الأبيض «يتضمن النكوث بالعهد الذي قطعته الدول حيال الشعب اليهودي، كما أنه اغتصب الحق الطبيعي التاريخي لليهود الذي اعترف به في قرار الانتداب على فلسطين؛ إذ نص على عودة اليهود إلى وطنهم الأصلي. وقد حد الكتاب الأبيض من حرية الهجرة إلى فلسطين بأن جعل الهجرة في حدود رقعة صغيرة من البلاد. وقضى الكتاب على اليهود بأن يكونوا دائما أقلية، وأنكر عليهم الحق الذي تتمتع به كل أمة، وهو أن تكون حرة مستقلة في بلادها.» ثم نعت البيان الكتاب الأبيض بأنه «امتياز أعطي للإرهابيين العرب»، ولكنه أخفق في الوصول إلى الغرض الذي قصد منه. وقال البيان: إنه لولا وجود هذا الكتاب لأمكن إنقاذ المئات والألوف من اليهود الذين هلكوا في أوروبا بالسماح لهم بدخول فلسطين.
المطالبة بجعل فلسطين دولة يهودية
وأيد البيان مطالب الوكالة اليهودية بشأن اتخاذ قرار عاجل لجعل فلسطين دولة يهودية وإعطائها قرضا دوليا ومساعدات أخرى لنقل المليون الأول من اليهود، وللنهوض بالبلاد من الناحية الاقتصادية، وتقرير تعويضات عينية تدفعها ألمانيا إلى اليهود لإنفاقها في إعادة إنشاء فلسطين.
الأحزاب العربية الفلسطينية
في فلسطين اليوم حول ستة أحزاب سياسية عربية أقلها ذو شأن وأكثرها ضئيل النفوذ والمقام. وقد بدأت الحزبية العربية في فلسطين جزءا من الحركة العربية الاستقلالية الشاملة البلاد العربية في الشرق الأوسط حين كانت جزءا من السلطنة العثمانية. فكان رجال فلسطين ضمن المجاهدين العرب قبل أن تقسم السياسة الاستعمارية الإنجليزية الفرنسية بلادهم أقساما أو دولا وإمارات وواقعات تحت الانتداب . ولعل الجمعية الإسلامية المسيحية لمقاومة الصهيونية كانت الهيئة السياسية الأولى التي تصدت لمناهضة هذه الحركة اليهودية الخطرة. ثم تألفت مؤتمرات متتابعة لا يقل عددها عن سبعة. وكان لكل مؤتمر «لجنة تنفيذية»، ثم إن فلسطينيي حزب الاستقلال «العربي الشامل» نهضوا للتنديد بموقف الإنجليز «إذ إنهم هم الذين أيدوا قضية الصهيونية» إلى جانب مكافحة وباء الصهيونية. وكان المجاهدون الأحرار في مصر وسائر البلاد العربية يؤازرون المجاهدين الفلسطينيين، خاصة حين مضى غلاة الصهيونية يروجون لمشروع واسع خطير وبرنامج طويل كبير، وهو أن الدولة التي يدعون لتأليفها ينبغي أن تشمل جميع البلاد التي بين الفرات شمالا إلى دلتا النيل جنوبا، استنادا إلى أن اليهود قد أقاموا في بابل وفلسطين وسينا ومصر؛ أي إن الصهيونيين يحلمون ببناء إمبراطورية يهودية حين يفوزون بإقامة دولة صغيرة في فلسطين الصغيرة.
ولما كان ثمة اختلاف عائلي قديم بين أسرة النشاشيبي خاصة حين كان فخري النشاشيبي بك حيا وبين أسرة الحسيني التي يتزعمها سماحة السيد أمين الحسيني وجمال الحسيني بك، فقد استقل حزب الدفاع الوطني الذي يرأسه راغب النشاشيبي بك رئيس بلدية القدس عن حزب الاستقلال الذي كان بين أعضائه من يذهب إلى وجوب استقالة السيد أمين الحسيني من منصب مفتي فلسطين ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى فيها. غير أن آخرين آثروا بقاءه في منصبه؛ ليبقى له الإشراف على الأوقاف والمساجد والأندية وريع حول 80 ألف جنيه. أما سكرتير حزب الاستقلال فكان عوني عبد الهادي بك أحد المجاهدين والمحامين العرب وسكرتير الملك فيصل الأول سابقا، وكان مندوب مملكة الحجاز في عهد الملك حسين في توقيع معاهدة فرساي. وكان الحزب العربي يرأسه جمال الحسيني بك رئيس وفود فلسطين إلى لندن في 1939م. ولما اعتقل ونفي أركان هذا الحزب آثر الفلسطينيون انتداب «موسى العلمي» - بفتح العين واللام - لتمثيل فلسطين العربية كلها شعبا وأحزابا. وقد حضر في 1944م إلى مصر مشتركا في مباحثات اللجنة التحضيرية لمجلس جامعة الدول العربية. ولما كان المجلس يمثل الحكومات وليس لفلسطين حكومة مستقلة، بل هي لا تزال تحت الانتداب البريطاني بحاكم عام إنجليزي، فقد تعهد ممثلو الدول العربية أن تتولى جامعة الدول العربية تعيين مندوب فلسطين، وكان من أثر كلمتها في مؤتمري مشروع محكمة العدل الدولية وسان فرانسيسكو في 1945م أن أخفق الصهيونيون في أن يشتركوا في مؤتمر سان فرانسيسكو، وفي أن يحملوا حكومة العمال الجديدة - التي طالما أبدى حزبها العطف والتأييد حيال الصهيونية - على اتخاذ تدبير ضد مطالب الفلسطينيين العرب، كما أخفق المؤتمر الصهيوني في لندن في يوليو وأغسطس 1945م. (2) حركة العمال العرب
في 1925م أسس العمال العرب من جميع المهن في فلسطين «جمعية العمال العربية» ومركزها حيفا، ولها 14 فرعا في غيرها، وعدد أعضائها حول 12 ألفا يؤدي كل منهم عشرة قروش شهريا، وسكرتيرها سامي طه، والجمعية بمثابة اتحاد عام للعمال؛ إذ ينطوي فيها نقابات مستقلة تؤدي لها جزءا من إيرادها. وتعاون الجمعية العمال على الاستخدام وتحسين أجورهم، ولها حول 10 جمعيات تعاونية ومستشارها حنا عصفور. أما أقوى النقابات فهي نقابة عمال سكك حديد فلسطين التي يشترك فيها حول 1300 يدفع كل منهم لها خمسة قروش شهريا، وفي حيفا اتحاد نقابات وجمعيات العمال العرب، وهي تضم: نقابات عمال الزيوت ونقابة عمال الورش البحرية. ولها صحيفة اسمها «الاتحاد» يرأس تحريرها الأديب «أميل توما» وسكرتيرها «يونس قدح»، ومن الجمعيات العمالية المستقلة عن الاتحادات جمعية العمال العرب في نابلس، وعددها حول 1200 مشترك، وسكرتيرها «أنور عرفات»، وثمة نقابة في شمال فلسطين للعاملات العربيات في المعسكر الحربي، وليس للعمال العرب في فلسطين حزب سياسي.
كذلك في فلسطين صحف عربية وإنجليزية ويهودية. (3) الاتحاد العربي
منذ بضع سنين اتجه تفكير «فؤاد أباظه باشا» - المدير العام للجمعية الزراعية الملكية، وعميد البعثة المصرية إلى السودان، والمؤسس للكثير من الأندية والجمعيات والمشرف عليها - إلى تأليف «الاتحاد العربي» في القاهرة، على أن تكون مهمته تقوية الروابط المتنوعة بين البلاد الناطقة باللغة العربية. وكان في مقدمة المؤسسين للاتحاد والمشتركين مع سعادته في النهوض به حضرات: السيد أحمد مراد البكري، وعبد المجيد إبراهيم صالح باشا، وحقي العظم بك، وأحمد نجيب براده بك السكرتير العام للاتحاد ، ومحمد توفيق خليل بك، وخليل ثابت بك، وعبد الستار الباسل بك، والدكتور محمد أسعد سلهب، والسيد إدريس السنوسي، والمحامي موريس أرقش، والصحفي حبيب جاماتي، والرافعي، والمحامي عبد الله حسين، وغيرهم.
وللاتحاد قانون ومجلس إدارة، وفروع في الكثير من البلاد العربية واجتماعات دورية وسنوية. وقد أقام العشرات من المآدب والحفلات تكريما لأصحاب السمو أمراء الدول العربية ورؤساء حكوماتها وزعمائها ووفودها. كما أرسل التقارير والبرقيات العديدة تأييدا للقضايا العربية لفلسطين وسوريا ولبنان والجزائر ومراكش وتونس، وناهض الاستعمار .
صفحة غير معروفة