كذلك لم تكن القيادة الفرنسية أو الإنجليزية لتدري هدفها الحقيقي من الحرب، فكانت لديها فكرة غامضة عن منع الروس من احتلال القسطنطينية وطردهم من ولايتي الدانوب، كيف ذلك؟ لم يكن أحد في إنجلترا وفرنسا في الهيئات الحكومية يعرف جوابا نهائيا لهذا، وكانت معلومات الحلفاء عن تحصينات الروس وقواعدهم في البحر البلطي أو الأسود أو قواتهم العسكرية لا تكاد تكون شيئا، ولم يكن هناك تناسق بين الخطط الحربية حتى ولا في أذهان رجال الحرب، وكانت نتيجة هذا أن قاسى جنود الحلفاء ويلات ومحنا كبيرة في منطقة بلغاريا، لاسيما مرض الكوليرا والملاريا، هذه الأمراض التي فتكت بجنودهم فتكا ذريعا، خاصة وأنه لم تكن هناك ترتيبات صحية أو طبية كافية أو شافية. كذلك كانت وسائل النقل، نقل الجنود، سيئة للغاية مما عطل وعرقل الأعمال الحربية، وربما كان معنى التأخير بقاء الجنود شتاء آخر، بما يعنيه الشتاء الروسي من برد وثلوج، لجنود ليس لديهم الغذاء أو الكساء الكافي الذي يقيهم زمهرير البرد. كذلك حين هاجم الحلفاء سباستبول كان لا يزال أمامهم طريق طويل إذا أرادوا الوصول إلى قلب روسيا وضربها ضربة قاضية.
وكانت الوزارة البريطانية (وزارة أبردين) حائرة ضعيفة مترددة منقسمة على نفسها، لا تعطي لقيادتها الحربية التأييد الكافي أو التعليمات الواضحة، وكانت التعليمات تصل في كثير من الأحيان متأخرة عن الوقت المناسب، ولم تكن الصحافة البريطانية لتسهل موقف الحكومة أو قيام الحكومة بواجبها، وكثيرا ما أفشت صحيفة التيمز الأسرار الحربية البريطانية على صفحاتها، هذه الأسرار التي كان يتسنى عدم إفشائها.
كذلك لم تكن لدى الحلفاء، وخاصة الفرنسيين، السفن اللازمة لنقل جنودهم وتموينها، فلقد ازدحم الجنود الفرنسيون على سفنهم بشكل عطل عمل السفن عن الناحية الحربية، ثم كان هناك الخلاف المستمر بين القيادتين الإنجليزية والفرنسية (بين راجلان وسانت أرنو)، وبالرغم من قوة روسيا وفرنسا الحربية، فلقد كان عدد الجيوش التي خاضت المعركة قليلا، فالجيش الروسي في شبه جزيرة القرم لم يكن يتجاوز ثمانين ألفا، منهم خمسون ألفا من الجنود العاملين، والجيش الفرنسي 30 ألفا، والإنجليزي حول 26 ألفا، وخمسة آلاف من الأتراك، وكان الروس يستطيعون تحصين مواقعهم وقاعدتهم في سباستبول بسهولة، بالرغم من وجود قوات الحلفاء في القرم.
ولم يكن الجيش الإنجليزي الذي خاض غمار حرب القرم مدربا على أمور الحرب، فلقد مر عليه أربعون عاما لم يشترك فيها في حرب، ولم يكن تموينه خيرا من تدريبه، ولكن هذه الحرب بالرغم من ذلك أثارت اهتمام الرأي العام البريطاني للآلام الكثيرة التي قاساها الجنود خلال هذه الحرب.
كانت حياة الجندي الإنجليزي رخيصة قبل ذلك، وظلت رخيصة إلى حد ما، ولكن الرأي العام أخذ يعرف عن الحرب وأهوالها وظروفها الشيء الكثير، فكانت أول حرب ذهب إلى ميادينها مراسلو الصحف، وأرسلوا بتقاريرهم إلى صحفهم، كذلك كانت الخدمة البريدية خيرا من ذي قبل، وأخذ ينمو وعي الرأي العام وانتقاده لأعمال الحكومة وإدارتها للحرب، ومسائل نقل الجنود، وإيوائهم، وتسليحهم، وتموينهم، والعناية لصحتهم، وكان الرأي العام قد نسي في الواقع الحروب السابقة، فآخر حرب خاضتها إنجلترا كان قد مر عليها أربعون عاما، وازداد الاهتمام بقيمة الحياة الإنسانية.
شعر الرأي العام الإنجليزي بأن الحرب لم ينلها تطور حقيقي يخفف من ويلاتها وبؤسها، ولم يعمل رجال القيادة العامة الإنجليزية شيئا في هذه الناحية، فلم يعنوا بمسائل التدريب، بل ونسوا كثيرا من خبرات الحروب الماضية، ووجه بعض اللوم إلى البرلمان الذي لم يهتم بأمور الحرب إلا من ناحيتها المالية، ولم يوجه أية عناية إلى تحسين حالة الجندي .
فلقد كان السجين المجرم يعامل خيرا من الجندي، وكان كثير من الجنود يهلكون لسوء معاملتهم وعدم تحسين أحوالهم. فلم يهتم بملبس الجندي، ولا غذائه، ولا مشربه، ولا مسكنه، ولا معاملته كإنسان من حيث مسائل التسلية والترفيه، فانتشر بين الجنود السكر والأمراض المعدية والسرية. ولم تكن كفاية الضباط خيرا من كفاية الجنود، فكان ضباط المشاة والفرسان يشترون وظائفهم ودرجاتهم العسكرية، وأيد هذا النظام ولنجتن وراجلان، ولم يلغ ذلك النظام إلا في 1871، وكان الضباط يؤخذون من طبقة خاصة، قد تخرجوا من المدارس الخاصة، واقتصر تدريبهم على دروس اللغة اللاتينية واليونانية والحساب.
They were content to be gentlemen and to leave the technical questions to those who were not gentlemen.
وكان الجنود يوزعون للقيام بأعمال بوليسية في وقت السلم، فلم يكن نظام البوليس بشكله الحالي قد وضع بعد.
ولم تكن المسئولية الخاصة بالأمور الحربية قد نظمت بعد، فكان يتولاها وزير الحربية ووزير المستعمرات، ولم تعين حدود مسئولية كل منهما، وكذا كان الشأن في الوظائف الحربية الأخرى، وكان المتطوعون تحت إشراف وزارة الداخلية، وأما مسائل التموين والنقل الحربي، فكانت تحت إشراف وزارة الخزانة.
صفحة غير معروفة