الإمبراطور (في قصره الأوتومبيلي، والغضب بالغ منه حد الجنون) :
ماذا يبلغني؟ أكاد لا أصدق أذني، هل هذا ممكن؟ جيش ظافر يطارد عسكرا مكسورا، لا يبلغ ثلثه عدا يكسره هذا العسكر القليل الخائر، وأية كسرة؟! لولا أن عصر العجائب قد انقضى لقال الناس غدا: إن قديسا أو قديسة هي التي أنقذت الفرنساويين في واقعة «المارن» كما أنقذتهم جان دارك في الماضي، ولطوب هذا الشعب - لولا أنه شعب ملحد - قائده العظيم جوفر كما طوبت الكنيسة جان دارك اليوم، فما هذا يا إلهي؟ لقد زعزعت ثقتي فيك، كيف تسمح لهذا الشعب الذي أنكرك أن يفوز على شعبك الألماني الخاص، وعلى ممثله المتصل نسبه بك، فيا لضياع اعتمادي عليك! لم يبق لي تلك الثقة فيك ما دام للقديسين اليوم هذه المقدرة دونك، إني لأدمرن كنائسهم ولأحرقن صور قديسيهم، حتى لا يبقى لهم منقذ ينقذهم من غضبي، إني أنا الواحد القدير على هذه الأرض، وأنا الغني عن كل حليف آخر أرضي أو سماوي، وقوتي يجب أن يدين لها الثقلان.
لقد أحسنت ظني بقوادي؛ فساء فألي، ولقد أخطأت بأن سمحت لابني أن يلحق بجيشي الزاحف على باريس، وهو عنوان الفشل والخذلان حيثما كان. ولقد كان أول الفارين هذا المتبجح بفوز سواه للتصدر في مقدمة الظافرين، لقد أظلمت الدنيا في عيني من هذا الانكسار الهائل فكأن أحلامي كلها ضلت، لقد ذهبت تلك الآمال الكبيرة، وكاد يتولاني اليأس لولا ما بي من العزيمة التي تفل الحديد.
وسواء كان النصر ميسورا لي أو كتب لي ألا يكون النصر حليفي؛ فلأقلقن الأرض والسماء؛ حتى يعلم الجميع على السواء أني أكبر من أن يزعجني ما يقول الناس عني، وأني في غنى عن رضى الآخرين، وأن غضبي لا يستهان به، فلأدمرن الأرض حيثما حللت كأني الزلزال المميد؛ فأهدم المساكن والقصور، وأدك المعاهد والمعابد، وأحرق الزرع، وأبيد الضرع؛ حتى لا يجد الناس مفرا لهم مني غير خنادق الأرض يحفرونها، ويقيمون فيها كالمناجذ، وهيهات أن تقيهم ناري الحارقة، وغازاتي الخانقة، حتى تمسي الخنادق لهم مدافن لا مساكن، وحتى أثير حربا شعواء فوق الأرض، وتحت الماء، وفي الهواء لم يسمع نظيرها سكان الغبراء، تقلق أهل الجحيم، ويصل شرارها إلى سكان السماء ما دام الجميع خانوني، واستهانوا بي، واستسهلوا غضبي، وما دام نصيري علمائي الأعلام يخدمون أغراضي باختراعاتهم الفائقة، ومنشوراتهم المبرورة، وهذا منهم اعتناء زائد، فهل أنا بحاجة إلى مثل هذا التبرير؟!
على أن علمائي بين علماء اليوم أعلام، فهم مثلي يفهمون ضعف الناس، ويسطون عليهم، ويقودونهم إلى حيث يشاءون كما يقاد الأعمى، وهذا سر التحكم في الناس: إقدام وجسارة، وأن تعتبر الناس كما هم، لا كما تريد أن يكونوا، ولكن قوادي، آه منهم لقد أضاعوا علي بسالة جنودي، وحسن تدريبهم، وبديع نظامهم، فلأقلبن الأرض على رءوسهم قلبا. (يقرع الجرس، ويأمر كبير حرسه بأن يدعو إليه قواده وكبيرهم.)
الإمبراطور (لقواده غاضبا) :
لقد وضعت ثقتي بكم في غير محلها، ولقد نلت جزائي على ذلك، ولكن هل في الإمكان أن أكون أنا في كل مكان؟ لقد كان نابوليون الكبير كبيرا بأعوانه، كما كان نابوليون الصغير صغيرا بأعوانه، إني لأكونن أكبر من نابوليون الكبير، وإن كنتم أنتم صغارا، ومن ذا يكون نابوليون الكبير وأعوانه في هذه الحرب اليوم؟! فلأكونن أنا وحدي الكل في الكل. (ثم يلتفت إلى كبير قواده.)
وأنت أيها القائد العظيم، إني أخطأت كثيرا بتيمني باسمك، فالزم بيتك، وهذا أقل جزاء المقصرين. (يبهت قليلا، ثم يقول): وأين الكرونبرنس؟ هذا الذي لم أكن أتوقع منه خيرا، ولعله في فراره قد سبق إلى برلين بدلا من باريس؟ فليلزم هو بيته أيضا. (وبعد فترة يقول في نفسه): من هو هذا الداهية الذي نظم جيوش الفرنساويين هذا النظام البديع، وأتى بهذه المعجزات؟ فلنعم القائد هو! ونعم الأمة التي أنجبته، ولو أنها عدوتي، ولكن لا بد لي من سحقه، والفخر يعظم كلما كان الخصم عظيما. (يخطر قليلا وهو مضطرب ويقول): آه من هؤلاء الإنكليز فقد أحبطوا علي كل أعمالي، وسدوا علي المنافس، فلأصلينهم حربا في الهواء، وتحت الماء لم يسبق لها مثيل، هم يريدون أن يحصرونا ليميتونا جوعا، لولا أن لكل رائد نجعة، ولولا منافذ المحايدين، فلأفسدن عليهم كل شيء. (يقرع الجرس ويطلب مستشاره.)
الإمبراطور (للمستشار) :
ما حال حليفتنا تركيا؟
صفحة غير معروفة