وفي أثناء فصل الأمطار الذي يقع من أبريل إلى سبتمبر يغطي الثلج قمم الجبال العالية، ولا يذوب هذا الثلج على علو 13 ألف قدم، وفي وديان الأنهار وفي الأراضي الغدقة تكون الحرارة والرطوبة مميتة وخانقة، وفي الجهات المنخفضة تجاه البحر الأحمر يصبح الجو حارا جافا، ويزرع محصولان أو ثلاثة في بعض الجهات سنويا.
ومن المحاصيل المهمة: الموز، النحيل، القصب، العنب، البرتقال، الليمون، القطن، النيلة البرية، والبن. وتزرع الهضاب العليا القرطم والشعير، ويبلغ سكانها ما بين أربعة وخمسة ملايين بين عناصر مختلفة، وبعضهم يقدر عدد السكان بعشرة ملايين، وليس هناك إحصاء صحيح؛ نظرا لاتساع المساحة وكثرة القبائل، ويقال إن مسلمي الحبشة هو ثلث سكانها. (1) أصول السكان
الأحباش من حيث الدم سلالتان؛ إحداهما: زنجية، لأفرادها كل ملامح الزنوج من الشعر المفلفل إلى الأنف الأفطس، وهؤلاء يسكنون الأقاليم الغربية، وهم متأخرون يمارسون ضروبا من القسوة التي تبلغ التوحش ويزينون أكواخهم بغنائم القتال، والسلالة الثانية: سامية، لها شعر سبط وملامح تقرب جدا من الملامح العربية في الأقاليم الجنوبية من الجزيرة العربية، وهم متمدنون قد ثقفوا شيئا غير قليل من الحضارة، وهم يدينون بالإسلام والمسيحية. أما في الأقاليم الغربية فالمسيحية منتشرة بعض الشيء، ولكن معظم السكان لا يزالون في الوثنية أو هم يؤمنون بالمسيحية مع خلطها بالشعائر الوثنية.
والكنائس كثيرة في الحبشة وكذلك القسوس، ومع أن الكنيسة الحبشية هي إلى الآن تحت رياسة الكنيسة القبطية فإنها تختلف عنها من حيث إنها تبنى مستديرة، والقسيس وقت الصلاة لا يختلط بجمهور المصلين كما هي الحال في الكنائس القبطية في مصر، ولا بد أن هذه التقاليد قد ورثها الأحباش عن اليهود؛ لأن المسيحية دخلت الحبشة حوالي سنة 330 من اليمن في وقت كانت تلبست فيه بالتقاليد اليهودية التي كانت سائدة في اليمن قبل المسيحية، ولقد دارت معارك دموية بين اليهود والمسيحيين يذكرها التاريخ قبل ظهور الإسلام.
والمنازل تبنى مستديرة أيضا في الحبشة، وهي أشبه بأكواخ الزنوج منها بالمعنى الذي نفهمه من المنازل، والمنزل يبنى من القصب أو البوص ويطين من الخارج ومن الداخل، وتزرع حوله الأشجار ويتسلق على جدرانه الفرع فيكسوه ورقه وترقد ثماره على سطحه، وأحيانا تبنى مصطبة داخل المنزل يقعد عليها السكان الذين يعيشون مع الدواجن والماشية في مكان واحد! أما الأغنياء فلا تختلف منازلهم إلا من حيث الملابس؛ فإنهم يشترون الحرير الزاهي ويقتنون السجاد الإيراني ويطرحونه على الأرض في أي مكان للجلوس، ويزينون جدرانهم من الداخل بجلود الأسود والنمور والسيوف وقرون الوعل.
والأحباش لا يعرفون القرى كما نفهمها في مصر؛ فإن الحبشي يعيش وحده في حقله مع زوجته وأولاده لا يجاوره آخر، وقد تتكاثر أسرته فتتألف قرية صغيرة بها عشرة منازل مثلا هم أولاده وأحفاده وزوجاتهم، والزراعة الفاشية عندهم هي زراعة أسلافنا قبل نحو 3000 سنة؛ فإنهم يزرعون الثوم والبصل ويأكلونهما كثيرا، وقد تفشت بينهم زراعة البطاطا والبطاطس هذه الأيام، أما الفواكه فكثيرة وأشجارها تبسق وتشتبك حول المنازل.
1
وقد أخذ الأحباش بكثير من تقاليد الفراعنة، ولا يزال الإمبراطور هيلا سيلاسي يكتب اسمه بالهيروغليفية في خرطوش على نحو ما كان يفعل رمسيس أو توتنخ آمون. (2) الأرض والطقس
وقد نشرت جريدة التيمس بحثا تحت هذا العنوان بقلم الكولونيل س. ل. كراست الذي زار الحبشة لأول مرة وبسط أحوال أراضيها في حالتي الدفاع والهجوم عند القيام بحملة عسكرية في بلاد الحبشة. وقد آثرنا نقل هذا البحث فيما يلي:
في عصر قديم جدا من العصور الجيولوجية اعترى القشرة الأرضية ضعف بين خطي طول 30 و40 شرقا، ولدينا الآن دليل على التشقق الذي حدث إذ ذاك في بعض المظاهر الطبيعية، أهمها الانخفاضات العميقة في البر والبحر، وهي وادي الأردن، الذي يشمل: بحيرة لوط، والبحر الميت، وخليج العقبة، وخليج السويس، والبحر الأحمر، ووادي النيل، الممتد جنوبا إلى البحيرات الكبرى من بحيرة ألبرت في الشمال إلى نياسا في خط عرض 14 درجة جنوبا.
صفحة غير معروفة