والعبادة هي: القيام في الطاعة، والخدمة وتوحده بطاعتك، وقد غفل كثير من الناس عن هذا المقام فمنهم من آثر طاعة الشيطان على طاعة الرحمن، وهم أهل المعاصي، ومنهم من آثر طاعة السلطان على طاعة الرحمن، وهذا باب قد غلب على أكثر أرباب الدنيا، فإنه إذا قال له السلطان بل وبعض مماليكه: اذهب إلى الغني الفلاني -ولو كان مجرما- وقد حضر وقت الصلاة يترك الصلاة ويذهب إلى ذلك، وإذا قال له: اقتل فلانا ممن نهى الله ورسوله [صلى الله عليه وسلم] عن قتله يقتله وإذا قال له: اضربه يضربه إلى غير ذلك، وهذا كله من تقديم طاعة السلطان على طاعة الرحمن، وطاعة المخلوق على طاعة الخالق، نعوذ بالله من ذلك، ومن الخلق من عمي قلبه فيقدم خدمة المخلوق على خدمة الخالق، فمنهم من يخدم السلطان ويقف النهار بطوله بين يديه، ولو كلف أن يصلي ركعتين لاستثقل بها، ومنهم من يحمل الأثقال لمخلوق ولو كلف أدنى شيء من طاعة الله لاستثقل منها حتى أن يترك الصلاة إلى غير ذلك.
حتى إن منهم من يخدم ما هو دون ذلك مثل القيام على فرس الأمير الليل والنهار ويترك الصلاة ويشتغل بها ولا يتركها، ومنهم من يشتغل بخدمة كلب أو حمار أو قرد أو دب، أو دار أو بيت أو غير ذلك من المخلوقات، ويشتغل عن طاعة الله -عز وجل- وخدمته وعبادته والعبادات التي أوجبها وكل ذلك من قلة العلم وعدم المعرفة والتقصير في معرفة التوحيد، وكل الخلق ما وحدوا الله حق توحيده ولا قدروه حق قدره، ولا عبدوه حق عبادته، ولا أطاعوه حق طاعته، وقد أخبر الله في كتابه أن الخلق {وما قدروا الله حق قدره}.
وبذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك هم مختلفون في: التوحيد، والطاعة، والخدمة، والعبادة.
فمنهم من أهمل الطاعة والعبادة بالكلية، وذهب إلى خدمة المخلوقين وطاعتهم وخدمتهم وعبادتهم.
ومنهم من حصل منه الشرك من ذلك ففعل هذا وهذا.
ومنهم من غلب عليه الأمر الإلهي.
صفحة ٨١