AUTO بسم الله الرحمن الرحيم وهو حسبي ونعيم الوكيل

الحمد لله رب العالمين، وصلواته وسلامه على سيدنا محمد عبده ورسوله -خاتم النبيين والمرسلين- والملائكة المقربين والصالحين من عباد الله أجمعين.

وبعد:

فهذه أوراق من التطوع بالصلوات في أحد المساجد الثلاثة التي تشد الرحال إليها، ووردت الأحاديث بمضاعفة الصلوات [و] الأجور فيها: هل فعلها فيها أفضل من فعلها في البيوت، أو الإتيان بها في البيوت أفضل كبقية المساجد؟

وهل مضاعفة أجور الصلوات في هذه المساجد الثلاثة يعم كلا من الفرض والنفل، أو يختص بالفرائض فقط؟ ما للعلماء في ذلك؟

اقتضى كتابتها كلام جرى مع إمام من أئمة المسلمين، وعلم من أعلم الدين، فتيسرت ببركته، وتحررت بجميل نيته، والله ولي التوفيق.

صفحة ١٥

روى أبو هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام))، متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.

ولفظ مسلم: ((خير من ألف صلاة في غيره من المساجد)).

وفي رواية لمسلم -أيضا-: ((أفضل من ألف صلاة فيما سواه)).

وأخرجه -أيضا- بهذا اللفظ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن حديث ابن عباس رضي الله عنه، عن ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((صلاة فيه -يعني مسجده- أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة)).

AUTO قال الشيخ محيي الدين رحمه الله: ((اختلف العلماء في المراد

بهذا الاستثناء على حسب اختلافهم في مكة والمدينة: أيهما أفضل؟

صفحة ١٦

فذهب الشافعي رحمه الله وجماهير العلماء إلى أن مكة أفضل من المدينة، وأن مسجد مكة أفضل من مسجد المدينة. وعكسه مالك وطائفة.

فعند الشافعي والجمهور، معناه: إلا المسجد الحرام، فإن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في مسجدي.

وعند مالك وموافقيه: إلا المسجد الحرام، فإن الصلاة تفضله بدون الألف)).

وقال أبو العباس القرطبي في تقرير قول مالك: ((لا شك أن المسجد الحرام مستثنى من قوله : ((من المساجد))، وهي بالاتفاق مفضولة، والمستثنى من المفضول مفضول إذا سكت عليه، فالمسجد الحرام مفضول.

لكن لا يقال: إنه مفضول بألف؛ لأنه قد استثناه منها فلا بد أن يكون له مزية على غيره من المساجد، لكن ما هي؟ لم يعينها الشرع، .. فيتوقف فيها)).

صفحة ١٧

وقال الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر: ((قال عبد الله بن نافع الزبيري -صاحب مالك-: معنى هذا الحديث: أن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة إلا المسجد الحرام، فإن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة بدون الألف)).

قال: ((وهذا التأويل -على بعده ومخالفة أهل العلم له- لا حظ له في اللسان العربي. وقد قال عامة أهل الأثر: الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بمائة صلاة، ومن الصلاة في سائر المساجد بمائة ألف صلاة)).

ثم روى ابن عبد البر هذا القول عن سفيان بن عيينة وقتادة وعن ابن الزبير عن الصحابة رضي الله عنهم، وعن ابن وهب وأصبغ بن الفرج: أنهما كانا يذهبان إلى تفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم .

قال: فهؤلاء أصحاب مالك قد اختلفوا.

صفحة ١٨

وقد روينا عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي الدرداء وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم: أنهم كانوا يفضلون مكة ومسجدها، وإذا لم يكن بد من التقليد فهم أولى أن يقلدوا من غيرهم الذين جاؤوا من بعدهم))، انتهى قول ابن عبد البر -رحمه الله- في كتاب ((الاستذكار)).

وقال فيه أيضا قبل ذلك: ((وأحسن حديث روي في ذلك: ما رواه حماد بن زيد وغيره عن حبيب المعلم، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة)).

وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: حبيب المعلم ثقة، .. .. [وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: حبيب المعلم ثقة. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل:] (¬1) ما أصح حديثه. وسئل أبو زرعة الرازي عن حبيب المعلم [فقال]: بصري ثقة)).

قال أبو عمرو: ((وسائر الإسناد لا يحتاج إلى القول فيه.

وقد روي -أيضا- من حديث ابن عمر وحديث جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث ابن الزبير رضي الله عنه)).

صفحة ١٩