ذكر أنّ الْكُوفِيّين قَالُوا: إنّ (جرًّا) مصدر، والبصريون قَالُوا: إنّه حَال. وَهَذَا يَقْتَضِي أنّ الْفَرِيقَيْنِ تكلمُوا فِي إِعْرَاب ذَلِك، وَلَيْسَ كَذَلِك، وإنّما قَالَ أَبُو بكر: إنّ قِيَاس إعرابه على قَوَاعِد الْبَصرِيين أنْ يُقال: إِنَّه حَال، وعَلى قَوَاعِد الْكُوفِيّين أنْ يُقال: إنّه مصدر. هَذَا معنى كَلَامه، وَهَذَا هُوَ الَّذِي فهمه أَبُو الْقَاسِم الزجّاجي (١) . وردَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: البصريون لَا يوجبون فِي نَحْو: (ركضًا) من قَوْلك: (جَاءَ زيدٌ ركضًا) أنْ يكون مَفْعُولا مُطلقًا بل يجيزون أَن يكون التَّقْدِير: جَاءَ زيدٌ يرْكض ركضًا. فَلذَلِك (٢) يجوز على قِيَاس قَوْلهم أَن يكون التَّقْدِير: هَلُمَّ تجرّوا (٣) جرًّا. انْتهى. ثمَّ قَول أبي بكر: (مَعْنَاهُ: سِيرُوا على هَيْنتكم، أَي تَثَبَّتوا (٤) فِي سيركم وَلَا تجهدوا أَنفسكُم) معترض من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أنّ فِيهِ إِثْبَات معنى (٥) لم يُثبتهُ لَهَا أحد: الثَّانِي: أنّ هَذَا التَّفْسِير لَا ينطبق على المُرَاد بِهَذَا التَّرْكِيب، فإنّه إنّما يُرَاد بِهِ اسْتِمْرَار مَا ذكر قبله من الحكم، وَلِهَذَا (٦) قَالَ صَاحب (الصِّحَاح): (وهَلُمَّ جرًّا إِلَّا الْآن) . وَقَول أبي حيّان: (مَعْنَاهُ: تعال على هينتك) عَلَيْهِ أَيْضا اعتراضان: أَحدهمَا: أنّه تَفْسِير لَا ينطبق على المُرَاد. الثَّانِي: فِي إِفْرَاده (تعال) مَعَ أنّه خطاب للْجَمَاعَة، وكأنّه توهم (تعال) اسْم فعل (٧)، وَاسم الْفِعْل لَا تلْحقهُ ضمائر الرّفْع البارزة. وَقد توهم ذَلِك بعض
_________
(١) فِي كِتَابه (مُخْتَصر الزَّاهِر) ق ٦٢. والزجاجي هُوَ عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق، من عُلَمَاء اللُّغَة والنحو وَالْأَدب، ت ٣٣٧ هـ، أشهر كتبه: الْجمل، اشتقاق أَسمَاء الله الْحسنى، الأمالي، الْإِيضَاح فِي علل النَّحْو، اللامات. (الْأَنْسَاب ٦ / ٢٧٢، نزهة الألباء ٣٠٦، العبر ٢ / ٢٥٤) .
(٢) ح: فَكَذَلِك.
(٣) ح: تجر.
(٤) ح: أثبتوا ... فَلَا تجهدوا.
(٥) ب: فِيهَا ... معنى لَهَا.
(٦) ح: فَلهَذَا. وَينظر: الصِّحَاح (جرر) .
(٧) ب: وَإِنَّمَا يُقَال اسْم فعل.
1 / 36