وانتصاب (أَيْضا) فِي الْمِثَال الْمَذْكُور لَيْسَ على الْحَال من ضمير (قَالَ) كَمَا توهمه جمَاعَة من النَّاس فزعموا أنّ التَّقْدِير: وَقَالَ أَيْضا أَي: رَاجعا إِلَى القَوْل. وَهَذَا لَا يحسن تَقْدِيره إلاّ إِذا كَانَ هَذَا القَوْل إنّما صدر من الْقَائِل بعد صُدُور القَوْل السَّابِق حَتَّى يَصح أنْ يُقَال: إنّه قَالَ رَاجعا إِلَى القَوْل بَعْدَمَا فرغ مِنْهُ، وَلَيْسَ ذَلِك بِشَرْط فِي اسْتِعْمَال (أَيْضا)، أَلا ترى أنّك تَقول: قلتُ اليومَ كَذَا، وَقلت أمسِ أَيْضا. وَكَذَلِكَ تَقول: كتبت اليومَ، وكتبت أمسِ أَيْضا. وَالَّذِي يظْهر لي أنّه مفعول مُطلق حُذِف عَامله أَو حَال حُذِف عاملها وصاحبها، وَذَلِكَ أنّك قلت: وَقَالَ فلَان، ثمَّ استأنفت جملَة فَقلت: ارْجع إِلَى الْأَخْبَار (١) رُجُوعا وَلَا اقْتصر على مَا قدَّمت، فَيكون مَفْعُولا مُطلقًا. أَو التَّقْدِير: أخبر أَيْضا أَو أحكي أَيْضا، فَيكون حَالا من ضمير الْمُتَكَلّم، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يسْتَمر فِي جَمِيع الْمَوَاضِع. وَمِمَّا يؤنسك بِمَا (٢) ذكرته من أنّ الْعَامِل مَحْذُوف أنّك تَقول: (عِنْده مالٌ وَأَيْضًا علمٌ) فَلَا يكون قبلهَا مَا يصلح للْعَمَل فِيهَا، فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ من التَّقْدِير. وعَلى ذَلِك قَالَ الشاطبي (٣) ﵁ وَقد ذكر أنّه لَا يدغِم الْحَرْف إِذا كَانَ (٤) تَاء مُتَكَلم أَو مُخَاطب أَو منوَّنًا أَو مشدَّدًا: ككنتُ تُرَابا أنْتَ تُكْرِهُ واسعٌ عليمٌ وَأَيْضًا تَمَّ مِيقاتُ مُثِّلا (٥) قَالَ أَبُو شامة (٦) ﵀ قَوْله: (أَيْضا) أيْ أمثل النَّوْع الرَّابِع وَلَا
_________
(١) أ: أَخْبَار.
(٢) ب: يشْهد لما.
(٣) مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُقْرِئ النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ، ت ٦١٤ هـ (معرفَة الْقُرَّاء، غَايَة النِّهَايَة ٢ / ٦٧، شذرات الذَّهَب ٥ / ٦١) .
(٤) سَاقِطَة من ب.
(٥) حرز الْأَمَانِي وَوجه التهاني (سراج الْقَارئ) ص ٣٤.
(٦) ب: ابْن، وَأَبُو شامة هُوَ شهَاب الدّين عبد الرَّحْمَن بن إِسْمَاعِيل الْمَقْدِسِي، أشهر كتبه: إبراز الْمعَانِي والمرشد الْوَجِيز وَكتاب الروضتين فِي أَخْبَار الدولتين، ت ٦٦٥ هـ. (تذكرة الْحفاظ ١٤٦، طَبَقَات الشَّافِعِيَّة ٨ / ١٦٥، فَوَات الوفيات ٢ / ٢٦٩) .
1 / 30