فقلت: فقد نراه يخرج من درا الدنيا وهو معاند لله عز وجل ولم تنكبه نكبة ولم يعذب بعذاب، وله المال الكثير والأولاد؟
قال أحمد بن يحيى عليه السلام: هذا كلام يخرج على التقديم والتأخير فافهمه، كأنه قال: ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة فقدم وآخر، والتقديم والتأخير موجود في لغة العرب، قال أوس بن حجر:
أما حصانا فلم يضرب بكليها ... قد طفت في كل هذا الناس أحوالي
على امرئ سوقه ولا ملك ... أبذى وأكمل منه أي إكمال
يريد فلم يضرب بكليها على امرئ سوقه، فقطع بين الكلام بنصف بيت للتقديم والتأخير، وقال الأخطل التغلبي:
إن الفرزدق صخرة عادية ... طالت فليس ينالها الأوعالا
يريد الصخرة طالت فليس الأوعالا تنالها. وقال ذو الرمة:
كان أصوات من أيغالهن بنا ... أوآخر الميس أنقاض الفراريج
وإنما أراد كأنما أصوات الميس فقدم وآخر، فافهم هذا الباب إن شاء الله.
14- وسألت عن قول الله عز وجل: { حتى إذا كنتم في الفلك وجرين
بهم بريح طيبة } . فقلت: كيف جاز أن يقول كنتم، ثم قال بعدها بهم؟
صفحة ٨