ولعله إنما جوز أن يكون مخبرًا، لأنه انفك عن السجع في آخر كلامه.
وكرر لفظ "قليل" فكان ما ظنه.
لأنه لو أراد السجع، لأمكنه أن يقول: والكثير بها ذليل، والقليل بها
ضائع كليل، وما وراءها شر منها يا قوم قيل.
ولقد نفي الله سبحانه (وتعالى) عن هذا القرآن العظيم، تصويب
النظر إلى السجع، كما نفي عنه قرض الشعر.
فإنه قال تعالى: (وما هو بقول شاعر قليلًا ما تؤمنون، ولا بقول كاهن قليلًا ما تذكرون) .
فكما أن قول الشاعر إتيانه بالكلام موزونًا بالقصد، فكذلك قول
الكاهن إتيانه بالكلام مسجوعًا، والقرآن منزه عن هذا، كما هو منزه عن
ذلك، وإن وقع فيه كل الأمْرَيْن، فغير مقصود إليه، ولا معول عليه، بل
لكون المعنى انتظم به على أتم الوجوه، فأتى به لذلك، لا لأجل السجع، ثم
يبين أنه غير مقصود بالانفكاك عنه في كثير من الأماكن، بقرينة ليس لها
مجانس في اللفظ، لتمام المعاني المرادة عندها.
فيعلم قطعًا: أن ذلك غير مقصود أصلًا، لأن مثل ذلك لا يرضى به
أقل الساجعين، بل يراه عجزًا، وضيقًا عن تكميل المشاكلة ونقصًا، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
وإذا تاملت الفواصل في الإتيان بها تارة متناظرة - (تارة) بكثرة
1 / 190