قال عليه السلام: ووجه ذلك أن لفظ كل ونحوه موضوعة لتقرير الشمول، ودفع توهم عدمه، نحو: جاءني القوم كلهم، أوكل القوم، لئلا يتوهم أن بعضهم لم يجيء لكنك لم تعتد به أو أنك جعلت الحكم من بعضهم كالحكم من كلهم بناء على أنهم في حكم شخص واحد لسبب من الأسباب كقوله تعالى: ((فعقروها)) أي ناقة صالح عليه السلام، وإنما عقرها قدار بن سالف وحده، فنسب إليهم لسبب رضائهم بذلك، أو لتركهم الإنكار والذب عنها، وهم يقدرون على ذلك، وإذا كان الأمر كذلك وأتى بلفظ كل أو نحوها مرادا به البعض دون الكل مجردة عما يدل على ذلك حال إطلاقها بطلت فائدتها وصارت عبثا، ولو في وقت من الأوقات، وذلك لا يجوز على الحكيم لغنائه عن فعله، وقدرته على إزاحته، وعلمه بكونه نقصا، وأما إذا قارن المخصص لم يكن كذلك لأن فائدتها توجه عند ذلك إلى الباقي، ويعلم أنه لا توهم ولا تجوز فيه بخلاف سائر ألفاظ العموم فوقوع التوهم من غير الله وغير رسله فيما عصمهم من التوهم فيه من تبليغ الشرائع كثير، وكذلك التجوز فلم تبطل فائدتها بتأخير التخصيص إلى وقت الحاجة إلى آخر كلامه عليه السلام.
ففي هذا بحمد الله لمن أنصف كفاية لمن له من ربه هداية، فإن الأمر بحمد الله في ذلك واضح وضوح النهار، ولكنه لا يدرك نور الشمس من سلب نور الأبصار فلله القائل:
إذا لم يكن للمرء عين بصيرة فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر
وكما قال بعضهم:
صفحة ١٥٢