مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
العدد١٢٩-السنة ٣٧
سنة النشر
١٤٢٥هـ
تصانيف
يَقُول: «اعْلَم أَن تعْيين عَمُود السُّورَة هُوَ إقليدٌ لمعْرِفَة نظامها.. وَلكنه أصعب المعارف، وَيحْتَاج إِلَى شدَّة التَّأَمُّل والتمحيص، وترداد النّظر فِي مطَالب السُّورَة المتماثلة والمتجاورة، حَتَّى يلوح العمود كفلق الصُّبْح، فتضيء بِهِ السُّورَة كلُّها، ويتبين نظامُها، وَتَأْخُذ كل آيَة محلهَا الْخَاص، وَيتَعَيَّن من التأويلات المحتملة أرجحها» (١) .
ثمَّ يعدِّد بعد ذَلِك أهم أَسبَاب صعوبة مثل هَذَا الْبَحْث، وَالَّتِي يُمكن تلخيصها فِي كَون الْقُرْآن نزل متشابهًا مثاني، وَأَن الْكتاب نزل بالحكمة الَّتِي لَا تتأتى بِمُجَرَّد إِلْقَاء المعارف.. بل بإعمال الْفِكر وَالْعقل، ثمَّ كَون مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآن من نِهَايَة الإيجاز هُوَ مدَار إعجازه (٢) ..
ثمَّ يتَكَلَّم الفراهي بعد ذَلِك عَن نظم السُّور بَعْضهَا مَعَ بعض، بعد أَن يذكر (عَمُود) كلٍّ مِنْهَا إِجْمَالا، فعلى سَبِيل الْمِثَال: يذكر أَن سُورَة الْفَاتِحَة كالديباحة لِلْقُرْآنِ، فَفِيهَا مَفَاتِيح لجَمِيع مَا فِيهِ، وَسورَة الْبَقَرَة هِيَ سُورَة الْإِيمَان الْمَطْلُوب؛ وَلذَلِك جمعت دلائله، وَسورَة آل عمرَان سُورَة الْإِسْلَام، وَهُوَ طَاعَة النَّبِي (، وَسورَة النِّسَاء كالرِّدْء لصورة الْإِسْلَام، بِمَا تبين من كَون الشَّرِيعَة رَحْمَة على النَّاس كَافَّة، وَسورَة الْمَائِدَة تركِّز على بِنَاء الْإِسْلَام على الْعَهْد الإلهي، بِذكر أواسط الْعَهْد ونهايته، وَأما سُورَة الْأَنْعَام، فعمودها بيانُ موقع الْأَحْكَام من عهد التَّوْحِيد، لسدِّ أَبْوَاب الشّرك.. وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِي من سور الْقُرْآن الْمِائَة والأربع عشر، فِي إيجاز دالٍّ، وعبارةٍ محكمَة (٣) .
_________
(١) دَلَائِل النظام، ص ٧٧
(٢) انْظُر السَّابِق: ص ٧٧: ٧٩
(٣) السَّابِق، ٩٣: ١٠٥
1 / 76