مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
العدد١٢٩-السنة ٣٧
سنة النشر
١٤٢٥هـ
تصانيف
بهَا، والآيات المدخولة كلهَا مَعْلُومَة الرَّبْط بِمَا قبلهَا أَو بعْدهَا، وَقد قَالَ تَعَالَى: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ .
وَإِمَّا أَن يَقُول بِأَن الله تَعَالَى لم يُرِدْ أَن ينزِّل كَلَامه منظمًا، كَمَا لم يُرِدْ أَن يَجعله شعرًا أَو سجعًا، أَو غير ذَلِك مِمَّا يُرَاعِي فِيهِ الْمُتَكَلّم من الْبَدَائِع والتكلف، إِنَّمَا هُوَ كلامٌ أُريد بِهِ الْهِدَايَة وَالْحكمَة، فَأنْزل حسب مَا اقْتَضَت الْأَحْوَال من الدَّلَائِل والشرائع، وَرُبمَا اجْتمعت المقتضيات من وجوهٍ مُخْتَلفَة، فَأنْزل مراعيًا لتِلْك الْوُجُوه المتباينة سُورَة جَامِعَة لمطالب مُخْتَلفَة، احْتِيجَ إِلَيْهَا فِي زمَان نُزُولهَا، وَالْأَحْوَال والحوادث واقتضاءاتها تُجمع من عللٍ متباعدةٍ فِي زمانٍ وَاحِد، فالسورة تجمع جملا، كلهَا تكون على حِدتَها فِي غَايَة الْحسن والنظام، وَأما مَجْمُوع هَذِه الْجمل فَلَا معنى لالتماس النظام فِيهِ، وَقد بَين ذَلِك بعض أكَابِر الْعلمَاء.
.. فَأَقُول: لَوْلَا رِعَايَة النّظم فِيهِ لما وجدنَا الْكَلَام الطَّوِيل مَبْنِيا على أسلوب جَامع، أَو كلمة ناظرة إِلَى كلمة سَابِقَة بعيدَة عَنْهَا. مثلا: ﴿هُدىً لِلْمُتَّقِينَ﴾ (الْآيَة ٢) سيق فِي أول الْبَقَرَة، ثمَّ جرى الْكَلَام إِلَى ذكر أهل التَّقْوَى، فجَاء قَوْله تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ (الْآيَة ١٧٧) نَاظرا إِلَى مَا سبق. والتأمل فِي نظم مَا بَينهمَا، وَفِيمَا بعد ذَلِك، يبين أَن ذَلِك لَيْسَ بمحض الِاتِّفَاق. وَلذَلِك أَمْثِلَة كَثِيرَة أوضح مِمَّا ذكرنَا» (١) .
انْتهى كَلَام الشَّيْخ الفراهي - رَحْمَة الله عَلَيْهِ -.. وَقد رأيتُ أَن أنقله كَامِلا - على طوله - لنفاسته من جِهَة، ولاستيعابه من جِهَة ثَانِيَة، وَلما فِيهِ من
_________
بالمطبوعة: عليم. وَهُوَ خطأ طباعي.
هَذَا هُوَ القَوْل الثَّالِث الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الفراهى فِي بداية كَلَامه.
(١) دَلَائِل النظام، ص ٤٠.
1 / 42