مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
العدد١٢٩-السنة ٣٧
سنة النشر
١٤٢٥هـ
تصانيف
المبحث الثَّانِي: موقع علم الْمُنَاسبَة من عُلُوم الْقُرْآن
سبق مَعنا أَن نِسْبَة علم الْمُنَاسبَة إِلَى بَقِيَّة عُلُوم الْقُرْآن كنسبة النتيجة إِلَى الْمُقدمَات، وَالثَّمَرَة إِلَى أَجزَاء الشَّجَرَة، أَو كنسبة علم الْبَيَان والمعاني من عُلُوم اللُّغَة.. وَذَلِكَ أَن عُلُوم الْقُرْآن المساعدة أشبه بالمقدِّمات الَّتِي تمهد لَهُ، فَهِيَ تتعرض لما يتَعَلَّق بِالْقُرْآنِ الْمجِيد من أمورٍ مُتَّصِلَة بِذَات النَّص كالوجوه والنظائر، والناسخ والمنسوخ، والفواصل، والقراءات، والمتشابه والغريب.. إِلَى آخر هَذِه المباحث الَّتِي تتَعَلَّق ببنية النَّص ذَاتهَا، وَكَذَلِكَ تتعرض لما يتَعَلَّق بِالْقُرْآنِ من أمورٍ خَارِجَة عَنهُ، كأسباب النّزول، والمكى وَالْمَدَنِي، وَمَعْرِفَة جمعه وَحفظه.. وَمَا إِلَى ذَلِك.
أما النّظر فِي التناسب، فَهُوَ بَاب من إعجاز الْقُرْآن، الذى هُوَ لُبابُ هَذِه الْعُلُوم كلهَا، ومنتهاها جَمِيعهَا، إِذْ إنَّ جَمِيعهَا يُفْضِي فِي النِّهَايَة إِلَى إِثْبَات حقية كَونه من عِنْد الله أَولا، ثمَّ عجز الخليقة كلِّها عَن الْإِتْيَان بشي من مثله، وَمن ثمَّ تقوم الْحجَّة النَّبَوِيَّة الَّتِي أخبر النَّبِي - صلوَات الله عَلَيْهِ - أنَّ كل نبيٍّ أُوتي مَا مثله آمن عَلَيْهِ الْبشر، وَأَن الَّذِي أوتيه (إِنَّمَا هُوَ هَذَا الْكتاب الْعَزِيز؛ لذا فقد رجا - صلوَات الله عَلَيْهِ - أَن يكون أَكثر الْأَنْبِيَاء تَابعا يَوْم الْقِيَامَة، لما لهَذَا الْكتاب من مزية اسْتِمْرَار حجَّته على الْعَالمين حَتَّى قيام السَّاعَة.
وَفِي ذَلِك يَقُول الإِمَام البقاعي ﵀ فِي كِتَابه الْجَامِع (نظم الدُّرَر):
«.. وَبِهَذَا الْعلم يرسخ الْإِيمَان فِي الْقلب، ويتمكن من اللب. وَذَلِكَ أَنه يكْشف أَن للإعجاز طَرِيقين: أَحدهمَا: نَظْمُ كل جملَة على حيالها بِحَسب
1 / 28