فسألتها جاذبا نفسي من تيار أفكارها: من هو؟ - لا يهم.
فسألت مصرا: من هو؟ - وغد من الأوغاد! - ولكن من هو؟ - لا تعذبني.
وتناولت حقيبتها وهي تقول: أستودعك الله.
فقلت بآلية: لا تذهبي.
فنهضت وهي تقول: أعطيتني الجواب بلا كلام. - ولكني لم أتكلم. - إني أرفض ما دون الثقة الكاملة.
فقلت وأنا أجد ارتياحا في الأعماق لنهوضها: تلزمني دقائق للتفكير.
فقالت وهي تمضي في كبرياء: أستودعك الله.
بدت لي المشكلة عقدة غير قابلة للحل. تكشف حبي عن ولع عنيف ليس إلا، وكأن حبي القديم لصفاء قد استنفد طاقتي للحب الحقيقي. وكانت تلك الهفوة مما لا يغتفر على أيامنا. كنا نحارب طبقات كثيفة من الماضي العتيق كلما تلاشت طبقة برزت تحتها طبقة راسخة تتطلب المعاناة والعناء لقهرها، كان علينا أن نقطع خمسة قرون وستة في ربع قرن. حزنت وخاب أملي ولكني لم أشك لحظة في أن ثريا قد خرجت من حياتي إلى الأبد، وامتنعت عن الحضور إلى الوزارة لزيارة عمها فلم تقع عيني عليها حتى كان المعرض الزراعي الصناعي الذي أقيم قبيل نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939. كنت أمضي وقتا في لونابارك الملحقة بالمعرض، ومعي صديق صباي عيد منصور، فمرت بنا ثريا بصحبة شقيقتها الكبرى وأبنائها، لم ترني ولكني رأيتها، ولما رآها صديقي مال على أذني هامسا: انظر إلى تلك الفتاة!
فسألته: ما لها؟ - من حي السكاكيني وجارة لخالتي.
وضحك ضحكة خبيثة، ورسم بيده حركة وقحة أدركت منها أنه الوغد المعتدي، فقلت بامتعاض لم يدرك مداه: أنت وغد!
صفحة غير معروفة