استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم .
ونهاه آخر الأمر عن أن يصلي على أحد منهم مات أبدا أو يقوم على قبره؛ ذلك لأنهم كانوا يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، يعلنون الإيمان ويبطنون الكفر. وكانوا إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى لا ينشطون لها ولا يقبلون عليها من قلوبهم، كأنما كانوا يستكرهون عليها استكراها.
ولم يكتف النبي بتعليم الناس حقائق الإيمان والإسلام والإحسان، وإنما كان يعلمهم خصائص هذه الخصال الثلاث، وما ينبغي لأصحابها من العمل وما يجب عليه أن يجتنب في خاصة حياته وفي صلاته بالناس. فكان يعلمهم أن الإنسان لا يؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وكان يعلمهم أن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ينبغي له أن يؤذي جاره ولا أن يقصر في إكرام ضيفه، وكان يعلمهم أن جائزة الضيف يوم وليلة، وأن الضيافة ثلاثة أيام وأن ما زاد على هذه الأيام الثلاثة من القرى فهو صدقة على الضيف.
وكان يعلمهم حتى الأشياء التي بينها الله في القرآن بيانا لا لبس فيه؛ فالله قد بين الوضوء في الآية الكريمة من سورة المائدة:
يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون .
فالله قد بين للناس في هذه الآية كيف يتوضئون للصلاة وأن عليهم أن يغتسلوا إن كانوا جنبا فإن لم يجدوا الماء للوضوء أو للاغتسال أو كان الماء يؤذيهم إن اصطنعوه لمرض يمنعهم من اصطناعه أو كانوا مسافرين فلهم أن يمسوا صعيدا طيبا وأن يمسحوا منه وجوههم وأيديهم إلى المرافق فذلك يجزئهم عن الوضوء والغسل جميعا. ثم بين الله تعالى في آخر الآية أنه لا يريد أن يشق على عباده وإنما يريد منهم أن يطهروا.
وعلى رغم ما في هذا كله من الوضوح فقد كان النبي
صلى الله عليه وسلم
يتوضأ للناس ليريهم كيف يتوضئون، وكان يتيمم لهم أيضا ليريهم كيف يتيممون. وكان يذكر لهم كيف يغتسلون، كل هذا ليكون المسلمون على ثقة مما يأتون ويدعون، وليكون النبي مؤديا لرسالته على أتم وجه وأحسنه، وكان يلح عليهم في النظافة؛ نظافة أجسامهم وثيابهم ومجالسهم، بل نظافتهم في حياتهم مع الناس، فكان ينهى الذين يأكلون البصل أو الثوم أو أي شيء تؤذي رائحته أن يدخلوا المسجد ويشهدوا صلاة الجماعة؛ حتى لا يؤذي بعضهم بعضا. وكان يرخص لهم في الصلاة فرادى في بيوتهم حتى يذهب عنهم ما يمكن أن يؤذي جلساءهم. وكان يلح عليهم أن تكون طرقهم التي يمشون فيها نظيفة، وينبئهم بأن إماطة الأذى عن الطريق فضيلة يكمل بها الإيمان.
وكان يكره لمن عنده فضل من الماء أن يمنعه ابن السبيل ومن تشتد حاجته إليه.
صفحة غير معروفة