فهذا هو الإيمان صورناه تصويرا مقاربا. فأما الإسلام فهو الطاعة الظاهرة لما يأمر الله ورسوله به وما ينهيان عنه، بأداء الواجبات واجتناب المحظورات، وإن لم يبلغ الإيمان الصادق من القلب المبلغ الذي وصفه الله في الآيات الكريمة التي أثبتناها آنفا. فمن الناس من يسلمون خوفا من البأس، كما أسلم الطلقاء من قريش يوم فتح مكة، ومنهم من يسلم خوفا وطمعا كالأعراب الذين ذكرهم الله في سورة الحجرات، وجائز أن يصير هذا الإسلام إلى الإيمان على مر الزمن؛ ومن أجل ذلك اصطنع الله لفظ «لما» في قوله في الآية التي أثبتناها آنفا بشأن هؤلاء الأعراب:
ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ، فكل مؤمن مسلم؛ لأنه يصدق تصديقا عميقا ويطيع الطاعة الظاهرة والباطنة. وليس كل مسلم مؤمنا. والإسلام كما شرحناه آنفا هو الذي يعصم نفوس أصحابه وأموالهم من النبي ومن أولي الأمر بعده إلا بحقها وحسابهم على الله.
ذلك أن النبي كان كثيرا ما يستأذن في قتل المنافقين أو من يظهر منهم الشك فيأبى ويقول: إني لم أومر بالتنقيب عما في قلوب الناس.
والإيمان يزيد وينقص ولا داعي لتكلف الدليل على ذلك، فقد نص الله ذلك في القرآن في الآية التي أثبتناها آنفا من سورة الأنفال حيث يقول:
وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ، وفي الآية التي أثبتناها أيضا من سورة آل عمران حيث يقول الله:
الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل .
وما تجوز عليه الزيادة يجوز عليه النقص، ومن أجل هذا يذكر في حديث الشفاعة أن الله يقول لنبيه حين يشفع عنده في أمته: اذهب فأخرج من النار من كان في قلبه مقدار حبة من إيمان. ثم يقول له آخر الأمر: اذهب فأخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان.
والإسلام كذلك يضيق ويتسع، فإسلام إبراهيم عليه السلام لم يكن طاعة ظاهرة تؤديها الجوارح وإنما كان طاعة واسعة عميقة تملأ القلب وتمتزج بالنفس وتسخر لها الجوارح ويقدم لها على ما لا يقدم الناس عليه إلا بالجهد كل الجهد واستكراه النفس عليه أشد الاستكراه. ومن أجل ذلك قدم إبراهيم ابنه ضحية، وكاد يبلغ من ذلك غايته لولا أن كفه الله عن ذلك فناداه: أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا. ثم فداه بذبح عظيم.
وكان النبي
صلى الله عليه وسلم
صفحة غير معروفة