وسورة طه توشك قصة موسى أن تستغرقها، وفي سورة مريم تمجيد للأنبياء وتخويف للجاحدين.
وأكبر الظن أيضا أن الفواصل حين تلتزم على هذا النحو يدل التزامها على أن السورة أنزلت مرة واحدة ولم تنجم آياتها كما تكون الحال في سور أخرى لم تلتزم فيها الفواصل على هذا النحو ولم يتحد موضوعها أو يشتد الائتلاف بين موضوعاتها إن تعددت. واتحاد الموضوع نفسه وشدة ائتلاف الموضوعات حين تتعدد قد يشعر بأن السورة أنزلت جملة واحدة وإن لم يلتزم في فواصلها ما نراه قد التزم في السور التي أشرنا إليها.
فسورة يوسف مثلا قد اتحد موضوعها اتحادا لا شك فيه، قد قصرت على قصة يوسف، وما أرى إلا أنها أنزلت جملة.
وقل مثل ذلك في سورة هود، أو فيما اشتمل عليه أكثرها من قصص الأمم التي كذبت رسلها، فبعد أن بدئت بآيات فيها الإنذار والتخويف وضرب الأمثال للموعظة قصت فيها قصة نوح في الآيات التي أثبتناها منذ حين. وعند الفراغ من قصة نوح عطفت عليها قصة عاد وبدئت هذه القصة بالآية الكريمة:
وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون .
ثم عطفت عليها قصة ثمود بنفس الأسلوب:
وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب .
ثم عرض طرف من حديث إبراهيم وقصة لوط وقومه ثم قصة شعيب وقومه أهل مدين في قوله عز وجل:
وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط .
ويلاحظ أن قصة قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب ختمت كلها بخواتم متشابهة، فنرى في آخر قصة المغرقين من قوم نوح:
صفحة غير معروفة